للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زجرتُ كلابي أن يهِرَّ عَقُورها

مِنْ حَيثُ لم يكُنْ ذلك الجبنُ إلاَّ لأَنْ دامَ منهُ الزجْرُ واستمرَّ حتى أخرجَ الكَلْبَ بذلك عمَّا هو عادتُه، من الهَريرِ والنَّبْح في وجْه مَنْ يَدْنو مِنْ دارٍ هو مُرْصَدٌ لأن يَعُسَّ دونها. وتنظر إلى قوله: (مهزول الفصيل)، فتعلم أنه نظير قول ابن هَرْمَةَ.

لا أُمْتِع العُوذَ بالفصال

وتنظر إلى قول نُصَيْبٍ [من المتقارب]:

لِعَبْدِ العَزيزِ على قَوْمِهِ ... وغيرهمُ منَنٌ ظاهِرَهْ

فبابُك أسْهَلُ أبوابِهِمْ ... ودارُكَ مأَهُولَةٌ عَامِرَهْ

وكلْبُكَ آنسُ بالزائرينَ ... مِنَ الأُمّ بالإبْنَةِ الزائرَهْ

فَتَعلمُ أنه من قول الآخر [من الطويل]:

يكادُ إذا ما أبصرَ الضيفَ مَقْبلاً ... يَكلّمه من حُبِّهِ وهْوَ أَعْجَمُ

وأنَّ بينهما قرابةً شديدةً ونسباً لاصقاً، وأنَّ صورتَهما في فَرْط التناسبِ، صورةُ بيتَيْ زياد ويزيد.

ومما هو إثباتٌ للصفة على طريقِ الكنايةِ والتعريضِ قولُهم: (المجْدُ بين ثَوْبَيْه، والكَرَمُ في بُرْدَيْه): وذلك أن قائل هذا يتَوصَّلُ إلى إثباتِ المجدِ والكَرَم للممدوح، بأن يَجعلَهما في ثوبه الذي يلْبَسُه، كما توصل زياد إلى إثباتِ السماحةِ والمروءة والندى لابن الحَشْرج، بأنْ جَعَلَها في القُبَّة التي هو جالسٌ فيها. ومن ذلك قوله [من البسيط]:

وحيثما بكَ أَمرٌ صالحٌ تكُنِ

وما جاء في معناه من قوله [من المتقارب]:

يَصيرُ أَبانٌ قرينَ السَّما ... حِ والمَكْرُماتِ معاً حيثُ صارا

وقولُ أبي نُواسَ [من الطويل]:

فما جازَهُ جُوْدٌ ولا حلَّ دُونَه ... ولكنْ يَصيرُ الجُودُ حَيْثُ يَصيرُ

كلُّ ذلك تَوصُّلٌ لإثباتِ الصفة في الممدوح، بإثباتها في المكان الذي يكونُ فيه، وإلى لُزومها له، بلُزومها الموضِعَ الذي يَحُلُّه. وهكذا إن اعتبرْتَ قولَ الشَّنفَرى، يصفُ امرأة بالعفة [من الطويل]:

يبيتُ بمنجاةٍ مِنَ اللَّوْم بيْتُها ... إِذا ما بُيوتٌ بالملامَةِ حُلَّتِ

<<  <   >  >>