مثلاً، نظيراً لقوله: (مهزول الفصيل): وإنْ كان الغَرضُ منهما جميعاً الوصفَ بالقِرى والضيافةِ، وكانا جميعاً كنايتين عن معنى واحد، لأنَّ تعاقُبَ الكناياتِ على المعنى الواحدِ، لا يُوجِبُ تَناسُبَها، لأنه في عَرُوض أنْ تَتَّفِقَ الأشعارُ الكثيرة في كونها مَدْحاً، بالشجاعة مَثَلاً، أو بالجودِ أو ما أشْبَه ذلك. وقد يَجْتمِعُ في البيت الواحدِ كنَايتانِ، المغْزى منهما شيءٌ واحدٌ؛ ثم لا تكونُ إِحداهما في حكْم النظيرِ للأخرى. مثالُ ذلك أنه لا يكونُ قوله: (جبان الكلب): نظيراً لقوله: (مهزول الفصيل). بل كلُّ واحدةٍ من هاتينِ الكنايَتْينِ أَصْلٌ بنفسِه وجنسٌ على حدة. وكذلك قولُ ابن هَرْمَة [من المنسرح]:
لا أُمْتِعُ العُوذَ بالفصالِ ولا ... أَبْتاعُ إلا قريبةَ الأَجَلِ
ليس إحدى كنايتَيْه في حُكْمِ النظيرِ للأخرى، وإن كان المُكنَّى بهما عنه واحداً، فاعرفْه!
وليس لِشُعَبِ هذا الأصْلِ وفروعه، وأمثلتِه، وصُورهِ وطُرُقِهِ ومسالِكِه، حدٌّ ونهاية.
ومن لطيفِ ذلك ونادرِه قولُ أبي تمام [من الوافر]:
أَبَيْنَ فما يَزُرْنَ سِوى كَريم ... وحسْبُكَ أَن يَزُرْنَ أبا سَعيدِ
ومثلُه وإنْ لم يَبلُغْ مبلَغَه، قولُ الآخرِ [من الوافر]:
متى تَخْلُو تَميمٌ مِنْ كَريمٍ ... ومَسْلمَةُ بْنُ عَمْروٍ مِنْ تميمِ
وكذلك قولُ بعضِ العربِ [من المتقارب]:
إذا اللهُ لم يَسْقِ إلاَّ الكِرامَ ... فسقَى وجوهَ بني حنْبل
وسَقَّى ديارَهُمْ باكِرٌ ... من الغيثِ في الزمنِ المُمْحِلِ
وفنٌّ منه غريبٌ قَولُ بعضِهم في البرامكة [من الطويل]:
سألتُ النَّدَى والجَودَ ما لي أَراكُما ... تَبَدَّلْتُما ذُلاً بعزِّ مُؤبَّدِ
وما بالُ ركْنِ المجْدِ أمسى مُهَدَّما ... فقالا أُصِبْنا بابنِ يَحيى مُحمَّدِ
فقلتُ فهلاَّ مُتَّمَا عند موتهِ ... فقد كُنْتُما عبْدَيْه في كل مشْهِدِ
فقالا أَقَمنا كيْ نُعزَّى بفَقْدِه ... مسافةَ يومٍ ثم نَتْلُوه في غَدِ