ومِنْ خصائصها أَنك تَرى لِضميرِ الأمرِ والشأنِ معها، من الحُسْنِ واللطفِ، ما لا تَراه إذا هي لم تَدْخُل عليه، بل تراه لا يَصْلُحُ حيثُ يصْلُح إلاَّ بها، وذلك في مثل قوله تعالى:{أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}[التوبة: ٦٣]، وقول:{أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ}[الأَنعام: ٥٤]، وقوله:{لاَ يُفْلِحُ الكافرون}[المؤمنون: ١١٧] ومن ذلك قوله: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار}[الحج: ٤٦].
وأجاز أبو الحسن فيها وجْهاً آخرَ، وهو أنْ يكون الضميرُ في "إنها"(للأَبصار) أُضْمِرَتْ قبْلَ الذكْرِ على شَريطة التفسير. والحاجةُ في هذا الوجْه أيضاً إلى "أنَّ" قائمةٌ كما كانت في الوجه الأولِ. فإنه لا يُقال:(هي لا تَعْمى الأَبصار)، كما لا يقال:(هو مَنْ يَتَّقِ ويَصْبِرُ فإنَّ الله لا يُضيع). فإن قلتَ: أوَ ليسَ قد جاء ضميرُ الأمرِ مبتدأً به مُعرًّى مِن العوامل في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}[الإخلاص: ١]؟ قيل:"هو" وإنْ جاء ههنا، فإنه لا يكاد يُوجَدُ مع الجملة من الشَّرْط والجزاء، بل تَراه لا يجيءُ إلاَّ بـ (إنَّ). على أنهم قد أَجازوا في {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}[الإخلاص: ١] أنْ لا يكونَ الضميرُ للأَمر.
ومن لطيفِ ما جاء في هذا الباب ونادرِهِ، ما تَجدهُ في آخر هذه الأبياتِ التي أنْشدَها الجاحظُ لبعض الحجازيين [من الطويل]:
إذا طَمَعْ يوماً عرَاني قَرَيْتُهُ ... كتائبَ يأسٍ كرَّها وطِرادَها
أَكُدُّ ثِمَادي والمياهُ كثيرةٌ ... أُعالِجُ منها حفْرَها واكْتِدادَها
وأَرْضى بها من بحرِ آخرَ إنَّه ... هو الرّيُّ أن تَرْضَى النفوسُ ثِمادَها
المقصودُ قوله: إنه هو الرّيُّ؛ وذلك أن (الهاء) في (إنه) تحتمل أمرَيْن: