فأمَّا الذي ذُكر عن أبي العباس مِنْ جَعْله لها جوابَ سائلٍ، إذا كانتْ وحدَها، وجوابَ مُنْكِر إذا كان معها (اللام)، فالذي يدلُّ على أنَّ لها أصْلاً في الجواب، أنَّا رأيناهُمْ قد ألزمُوها الجملةَ من المبتدأ والخبر، إذا كانت جواباً للقَسَم نحو (والله إِنَّ زيداً مُنْطلِقٌ) وامتنعوا مِنْ أن يقولوا: (والله زيدٌ منطلق) ثم إنَّا إذا استقرَيْنا الكلامَ وجَدْنا الأمرَ بيِّناً في الكثير من مواقِعها أنه يُقصَدُ بها إلى الجواب، كقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض}[الكهف: ٨٣ـ٨٤] وكقوله عزَّ وجَلَّ في أول السورة {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ}[الكهف: ١٣] وكقوله تعالى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ}[الشعراء: ٢١٦] وقولِه تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله}[الأَنعام: ٥٦] وقوله: {وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين}[الحجر: ٨٩] وأشباهِ ذلك مما يُعْلَم به أنَّه كلامٌ أُمِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأن يُجيبَ به الكفارَ في بعض ما جادَلوا وناظَروا فيه، وعلى ذلك قولُه تعالى:{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين}[الشعراء: ١٦] وذاك أنه يَعْلم أنَّ المعنى: فأتياهُ، فإذا قال لكما: ما شأْنُكُما وما جاءَ بكُما وما تقولانِ؟ فقُولا: إنَّا رسولُ رَبِّ العالمين. وكذا قولُه:{وَقَالَ موسى يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين}[الأعراف: ١٠٤]، هذا سبيلُهُ.
ومن البيِّن في ذلك قولُه تعالى في قصة السَّحَرة {قالوا إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}[الأعراف: ١٢٥]. وذلك لأنه عِيَانٌ أنه جوابُ فرعونَ عن قولِه {آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ}[الأعراف: ١٢٣]. فهذا هو وجْهُ القول في نُصْرة هذه الحكايةِ.