لم تطل حيرتي، بل وجدتُني أختار المنحى الثاني. ذاك أن مقدّمة لا تأخذ بنظر الاعتبار، التطرق إلى لُبّ الموضوع والطواف في جنباته، تبقى قاصرةً أمام عظمة العطاء ودويِّه لكلا الكتاب ومؤلفه ...
وإذا بي أمام عناوين ومحطاتٍ من الكتابة، لا بد منها للعبور إلى الضفَّة الأخرى، لعلي أَرشفُ بعضَ قطرات السموِّ والمشاركة، ولو في حدود الملامسة واعتمار العَتَبات!!
أنا والكتاب
صدر كتاب دلائل الإعجاز في غير طبعة وغير شرح. لكنَّ أفضل الطبعات والشروح هي تلك التي صدرت في مصر سنة ١٣٢١ هـ ثم أعيد طبعها ونشرها سنة ١٣٣١ هـ / ١٩١٢م مصحَّحةً على التوالي من الإمام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، والمحدِّث الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي، ثم من الشيخ محمد رشيد رضا الذي علَّق حواشي الكتاب وصحح طبعته.
وقد اعتمدتُ هذه الطبعة على شيء من المقابلة والمراجعة مع طبعة أخرى صدرت في دمشق سنة ١٩٨٣ بتحقيق الدكتورين الشقيقين: محمد رضوان الداية وفايز الداية ...
عُنِيت الطبعةُ المصرية بدقة النقل وأمانته وتصحيح الكتاب بعد مقابلة النسخ التي كانت بحوزة الإمام محمد عبده الذي استحضر نسختين له من المدينة المنورة ومن بغداد؛ وذُيِّلتْ صفحاته بما تحصَّل للإمام من حواشٍ وشروح أثناء تدريسه الكتاب على طلبة جامعة الأزهر. وبذلك يكون قد تحقق لهذا الكتاب القدرُ الأوفر لصحَّة مادته، المتوفرة "بعلاَّمتي المعقول والمنقول" الشيخين عبده والشنقيطي، ثم التدريس الذي يمثل السبيل الأفضل للتصحيح والتصويب والتنقيح، يضاف إلى ذلك جهود الشيخ رضا الذي سهر على الكتاب وأسهم كل الإسهام في إخراجه على الصورة التي وصلتنا.
إلاَّ أنَّ هذا الجهد وذلكما العناية والإشراف، حفلت بكثير من النقص الذي اعتور معظم الكتب الصادرة في تلك المرحلة، والمتمثل بما يلي:
- خلوُّ النص من التشكيل الإعرابي إلاَّ فيما ندر، ما عدا قسم يسير من الآيات القرآنية والأبيات الشعرية، الأمر الذي يربك القارئ ويعيق إفادته.