حالَ الصائغِ يَنْظُر إلى صورةٍ قد عَمِلها صائغٌ مِنْ ذهبٍ لهُ أو فضةٍ، فيجيء بمثْلِها من ذهبهِ وفضَّتهِ، وذلك يخْرجُ بمُرتكِبٍ إنْ ارْتَكَبَه، إلى أنْ يكون الراوي مستحقاً لأنْ يُوصَفَ بأنه استعار وشبَّهَ وأن يُجْعَل كالشاعر في كل ما يكون به ناظماً، فيُقال: إنه جعَلَ هذا فاعلاً وذاك مفعولاً، وهذا مبتدأ وذاك خبراً، وجعل هذا حالاً وذاك صفةً؛ وأنْ يُقالَ نَفَى كذا وأثْبَتَ كذا، وأَبْدَلَ كَذا مِنْ كذا، وأضافَ كذا إلى كذا - وعلى هذا السبيلِ، كما يقال ذاك في الشاعر. وإذا قيل ذاكَ، لَزِمَ منه أنْ يُقال فيه: صدَقَ وكَذَبَ كما يقال في المحْكيِّ عنه وكفى بهذا بُعْداً وإحالةً. ويجمعُ هذا كلُّه أنه يَلزَمُ منه أن يقال إنه قال شعراً، كما يقال فيمَنْ حكَى صنعةَ الصانعِ مِن خاتَمٍ قد عَمِلَه. إنه قد صاغ خاتماً.
وجملةُ الحديثِ، أنَّا نَعْلَمُ ضرورةً أنه لا يتأتَّى لنا أن ننْظِمَ كلاماً من غير رَويَّةٍ وفكْرٍ، فإن كان راوي الشعرِ ومُنْشِدُه يَحْكي نَظْم الشاعرِ على حقيقته، فَيْنبغي أنْ لا يتأتَّى له روايةُ شعرِهِ إلا برويَّةٍ وإلاَّ بأنْ يَنْظُرَ في جميع ما نَظَرَ فيه الشاعرُ مِنْ أمر النظْم، وهذا ما لا يَبقى معه موضعُ عذرٍ للشَّاكِّ.