للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن "لعابَ الأفاعي" مبتدأٌ و "لعابُه" خبر، كما يُوهِمُه الظاهر، أفسدْتَ عليه كلامَه وأبطلْتَ الصورةَ التي أرادها فيه؛ وذلك أنَّ الغرضَ أنْ يُشَبِّه مِدادَهُ بأرْي الجنى على معنى أنه إذا كتَبَ في العطايا والصِلاتِ، أوصَلَ به إلى النفوس ما تَحْلو مذاقَتُه عندها، وأدْخَل السرور واللذة عليها؛ وهذا المعنى إنما يكونُ إذا كان (لعابُه) مبتدأ و (لعابُ الأفاعي) خبراً. فأمَّا تقديرُك أن يكون "لعابُ الأفاعي" مبتدأ و "لعابُه" خبراً، فيُبْطِل ذلك ويَمْنَع منه البتة، ويَخْرجُ بالكلام إلى ما لا يجوز أن يكونَ مُراداً في مثل غَرَض أبي تمام، وهو أنْ يكون أرادَ أن يُشَبِّه لعابَ الأفاعي بالمِداد، ويشبِّه كذلك الأرْيَ به. فلو كان حالُ الكلم في ضمِّ بعضها إلى بعضٍ، كحالِ غَزْل الإبرَيْسَم، لكانَ ينْبغي أن لا تتغيَّر الصورةُ الحاصلةُ من نَظْمِ كلمٍ حتى تُزالَ عن مواقِعها؛ كما لا تتغير الصورةُ الحادِثةُ عن ضَمِّ غزْلِ الإبريسم بعضِه إلى بعضٍ حتى تُزال الخيوطُ عن مواضِعها.

واعلمْ أنَّه لا يَجوزُ أن يكونَ سبيلُ قوله: (لعابُ الأفاعي القاتلاتِ لعابُه). سبيلَ قولِهم: (عتابك السيفُ)؛ وذلك أن المعنى في بيت أبي تمام على أنك تُشَبِّهُ شيئاً بشيء، لِجامعٍ بينهما في وصفٍ وليس المعنى في: (عتابُكَ السيفُ): على أنك تُشَبِّه عتابَه بالسيف، ولكنْ على أنْ تَزْعُم أنه يَجْعَلُ السيفَ بدلاً من العتاب. أفلا تَرَى أنه يصحُّ أنْ تقولَ: (مدادُ قلمِه قاتلٌ كسمِّ الأفاعي)، ولا يَصِحُّ أن تقولَ: (عتابك كالسيف)، اللَّهمَّ إلاَّ أنْ تَخْرجَ إلى بابٍ آخرَ، وشيءٍ ليس هو غرضَهم بهذا الكلام، فتُريد أنه قد عاتَب عتاباً خَشِناً مؤلماً. ثم إنك إنْ قلتَ: (السيفُ عتابُك): خرجْتَ به إلى معنى ثالثٍ وهو أن تزْعُم أنَّ عتابَه قد بلغَ في إيلامه وشدةِ تأثيرهِ مبلغاً صارَ له السيفُ كأنه ليس بسيفٍ.

<<  <   >  >>