ومما هو من هذا الذي نحنُ فيه، قولُه تعالى:{وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتهوا خَيْراً لَّكُمْ}[النساء: ١٧١]. وذلك أنهم قد ذَهبوا في رفْع "ثلاثة" إلى أنها خبرُ مبتدأ محذوفٍ. وقالوا: إنَّ التقديرَ "ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ". وليس ذلك بمستقيمٍ، وذلك أنَّا إذا قلْنا:(ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثة): كان ذلك، والعياذُ بالله شبْهَ الإثباتِ أنَّ ههنا آلهةً من حيثُ إنَّكَ إذا نفيْتَ، فإنما تَنفي المعنى المستفادَ من الخَبر عن المبتدأ، ولا تنفي معنى المبتدأ. فإذا قلتَ:(ما زيدٌ منطلقاً)، كنتَ نفيْتَ الانطلاقَ الذي هو معنى الخبرِ عن زيد، ولم تَنْفِ معنى (زيد) ولم تُوجِبْ عدَمَه. وإذا كان ذلك، فإذا قُلْنَا (ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ) كنَّا قد نفَيْنا أن تكونَ عِدَّةُ الآلهة ثلاثةً ولم نَنْفِ أن تكونَ آلهةً - جلَّ الله تعالى عن الشريكِ والنظيرِ - كما أنك إذا قلتَ:(ليس أُمراؤنا ثلاثةً): كنتَ قد نفَيْتَ أن تكون عِدَّةُ الأمراءِ ثلاثةً، ولم تَنْفِ أن يكون لكُمْ أمراءُ؛ هذا ما لا شبْهةَ فيه. وإذا أدَّى هذا التقديرُ إلى هذا الفسادِ، وَجَبَ أنْ يَعْدِل عنه إلى غيره. والوجهُ - واللهُ أعلمُ - أن تكون (ثلاثة) صفةَ مبتدإٍ ويكونَ التقديرُ: (ولا تقولوا لنا آلهة ثلاثة أو في الوجود آلهة ثلاثة) ثم حُذِفَ الخبرُ الذي هو لنا أو في الوجود، كما حُذِفَ من (لا إله إلاَّ الله) و (ما مِنْ إله إلاَّ اللهُ) فبقي: (ولا تقولوا: آلهةٌ ثلاثةٌ) ثم حُذِف الموصوفُ الذي هو "آلهة" فبقي (ولا تقولوا ثلاثةٌ). وليس في حذْف ما قدَّرْنا حذْفَه ما يتوقّفُ في صحَّته. أما حذفُ الخبر الذي قلْنا إنه (لنا) أو (في الوجود) فمطَّردٌ في كل ما معناه التوحيدُ، ونفيّ أن يكون معَ الله - تعالى عن ذلك - إلهٌ.