وإِذْ قد عرَفْتَ أنَّ طريقَ العِلْم بالمعنى، في الاستعارة والكناية معاً: المعقولُ، فاعلمْ أنَّ حكْمَ التمثيل في ذلك حكمُها، بل الأمرُ في التمثيل أظْهَرُ. وذلك أنه ليس مِن عاقلٍ يَشُكُّ إذا نظَر في كتاب يزيدَ بنِ الوليد إلى مروان بن محمد حيث بلغه أنه يتلكَّأ في بَيْعَته: أما بَعْدُ، فإني أرادَ تقدِّم رجْلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاكَ كتابِي هذا فاعْتمِدْ على أَيَّتِهما شئْتَ والسلامُ، يعلم أنَّ المعنى أنه يقول له: بلَغني أنك في أمْرِ البيعة بين رأْيَيْن مختلفين: تَرى تارةً أن تُبايعَ وأخرى أنْ تَمْتنع من البيعة؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاعْمَلْ في أيِّ الرأيين شئْتَ: وإنه لم يَعْرف ذلك من لفْظِ (التقديم والتأخير) أو من لفظ (الرِّجل)، ولكنْ بأنْ علمَ أنه لا معنى لتقديم الرِّجل وتأخيرها، في رَجُلٍ يُدْعى إلى البيعة، وإنَّ المعنى على أنه أرادَ أن يقولَ إنَّ مثَلَكَ في تردُّدكَ بين أنْ تُبَايع وبين أن تَمْتنعَ، مثَلُ رَجُلٍ قائمٍ ليذهَبَ في أمرٍ، فجَعَلَتْ نَفسُه تُريهِ تارةً أنَّ الصوابَ في أنْ يذْهَبَ وأُخرى أنه في أنْ لا يَذْهَبَ؛ فجعلَ يُقدّم رِجْلاً تارةً ويُؤخِّر أُخْرى.