ثم إنَّ استهواهم هو أنهم نظَروا إلى تفسيرِ ألفاظِ اللغةِ بعضها ببعضٍ، فلمَّا رأوا اللفظَ، فُسِّرَ بلفظٍ مثْلِ أن يقال في "الشرجب" إنه الطويلُ، لم يَجُزْ أن يكون في المفسَّر من حيثُ المعنى مزيةٌ لا تكونُ في التفسير، ظَنَّوا أنَّ سبيلَ ما نحن فيه ذلكَ السبيلُ؛ وذلك غَلَطٌ منهم، لأنه إنما كان المفسَّر فيما نحن فيه الفضلُ والمزيَّةُ على التفسير من حيث كانت الدلالةُ في المفسَّر دلالةَ معنى على معنى، وفي التفسير دلالةَ لفظٍ على معنى، وكان من المركوز في الطباع والراسخ في غرائز العقول، أنه متى أُريد الدلالةُ على معنىً فتُرِكَ أن يُصَرَّحَ به ويُذْكَرَ باللفظِ الذي هو له في اللغة، وعُمِدَ إلى معنىً آخَر فأشيرَ به إليه، وجُعِل دليلاً عليه، كان لِلكلامِ بذلك حسْنٌ ومزيةٌ لا يكُونانِ إذا لم يُصْنَعْ ذلك وذُكِرَ بلفظه صريحاً، ولا يكونَ هذا الذي ذكرتُ أنه سببُ فضل المفسَّر على التفسير من كونِ الدلالةِ في المفسَّر دلالةَ معنى على معنى وفي التفسير دلالةَ لفظٍ على معنى حتى يكون لِلَّفظِ المفسَّر معنىً معلومٌ يَعرِفُه السامعُ، وهو غيرُ معنى لفظِ التفسير في نفسِه وحقيقتِه، كما تَرى من أنَّ الذي هو معنى اللفظ في قولهم (هو كثيرُ رمادِ القدر) غيرُ الذي هو معنى اللفظ في قولهم: (هو كثير القرى) ولو لم يكن كذلك، لم يُتَصوَّر أن يكون هاهنا دلالةُ معنى على معنى.