"ثبتَ من ذلك أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن، إذا هو لم يطلبْهُ في معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه، ولم يعلم أنها مَعْدنِه ومَعانُه، وموضعه ومكانُه، وأنه لا مستنبط له سواها، وأن لا وجْهَ لطلبه فيما عداها، غارٌّ نفْسَه بالكاذِب من الطمع، ومسلِّمٌ إلى الخِدَع، وأنه إنْ أبى يكون فيها، كان قد أبى أن يكون القرآن معجزاً بنظمه، ولزمه أن يُثبت شيئاً آخر يكون معجزاً به، وأن يلحق بأصحاب الصرفة، فيدفع الإعجاز من أصله .. "
(نفسه / ص ٤٠٤. والمعان: المباءةُ والمنزل).
٣ - نموذج تطبيقي لشرح حقيقة الاستعارة وتحليلها
- من خلال بيت الحماسة، لتأبط شرّاً -
إذا هزَّهُ في عظْم قرنٍ تهلَّلتْ ... نواجذُ أفواهِ المنايا الضَّواحكِ
"فأنت الآن لا تَستطيع أن تزعم في بيت الحماسة أنه استعار لفظَ "النواجذ" ولفظ "الأفواه" لأن ذلك يُوجب المحال، وهو أن يكون في المنايا شيء قد شبَّهة بالنواجذ، وشيء قد شبَّهه بالأفواه، فليس إلاَّ أن تقول، إنه لمَّا ادَّعى أن المنايا تُسَرُّ وتَسْتبشر إذا هو هزَّ السيفَ، وجعلها لسرورها بذلك تضحك، أراد أن يبالغ في الأمر، فجعلها في صورة من يضحك، حتى تبدوَ نواجذُه من شدَّة السرور.
( ... ) فقد تبيَّن من غير وجهٍ، أنَّ الاستعارة إنما هي ادَّعاءُ معنى الاسم للشيء. لا نقلُ الاسم عن الشيء. وإذا ثبتَ أنها ادِّعاءُ معنى الاسم للشيء، علمتَ أن الذي قالوه من أنها تعليقٌ للعبارة على غير ما وُضعت له في اللغة، ونقلٌ لها عمَّا وضعتْ له، كلامٌ قد تسامحوا فيه، لأنه إذا كانت الاستعارةُ ادعاءَ معنى الاسم، لم يكن الاسمُ مُزالاً عمَّا وُضع له، بل مُقَرّاً عليه".
"إنَّ الخبر وجميع الكلام، معانٍ ينشئها الإنسان في نفسه، ويُصرِّفها في فكره، ويناجي بها قلبه، ويراجع فيها عقله، وتوصف بأنها مقاصدُ وأغراضٌ وأعظمها شأناً الخَبرُ. فهو الذي يُتصوَّر بالصور الكثيرة، وتقع فيه الصناعات العجيبة، وفيه يكون في الأمر الأعم، المزايا التي بها يقع التفاضلُ في الفصاحة".