فظنَّتْ عائشةُ وحَفْصةُ رضي الله عنهما، أنها عرَّضَتْ بهما. وجَرى بينهنَّ كلامٌ في هذا المعنى، فأُخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فدخلَ عليهنَّ وقال: "يا وَيْلَكنَّ! ليس في عَدِيِّكنَّ ولا َتَيْمِكنَّ قيلَ هذا. وإنَّما قيل هذا في عديِّ تميم وتَيْمِ وتَميم"! وتمامُ هذا الشعر [من الطويل]:
فحالِفْ ولا واللهِ تَهْبِطُ تَلْعةَ ... من الأرض إلاَّ أَنتَ للِذلِّ عارِفُ
ألاَ منْ رأى العَبْدًَين أوْ ذُكِرا لهُ ... عدَيٌّ وتَيمٌ تَبْتَغي مَنْ تُحالِفُ
وروَى الزبيرُ بن بكار قال: "مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، برجلٍ يقول في بعضِ أزقَّة مكة [من الكامل]:
يا أيها الرجلُ المُحوِّلُ رَحْلَهُ ... هلاّ نزلْتَ بآلِ عبد الدارِ؟
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر هكذا قال الشاعر؟ قال: لا يا رسول الله، ولكنه قال:
يا أيها الرجلُ المحوِّلُ رَحلَهُ * هلاَّ سألْتَ عن آلِ عَبْد منافِ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا كُنَّا نَسْمعها".
وأمَّا ارتياحُه صلى الله عليه وسلم، للشعر واستحسانُه له، فقد جاء فيه الخبرُ من وجوهٍ، من ذلك: حديثُ النابغة الجَعْديِّ قال: أَنشدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قولي [من الطويل]:
بلَغْنا السماءَ مَجْدُنَا وجدودُنا ... وإنَّا لنَرجو فوقَ ذلك مَظْهَرا
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَينَ المظهرُ يا أبا ليلى؟ "، فقلتُ: الجنةُ، يا رسولَ الله! قال: "أَجَلْ إن شاء الله". ثم قال: "أَنْشِدْني"! فأنْشَدْتُه من قولي:
ولا خيرَ في حِلْم إذا لم تَكنْ له * بَوادِرُ تَحْمي صفْوَه أنْ يُكَدَّرا
ولا خيرَ في جَهلٍ إذا لم يَكنْ له * حَليمٌ إذا ما أَوْردَ الأمرَ أَصْدَرا
فقال صلى الله عليه وسلم: "أَجَدْتَ، لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ"! قال الراوي: فنظَرتُ إليه فكأَنَّ فاهُ الْبَرَدُ المُنْهَلُّ، ما سقطت له سن ولا انفلَّتْ تَرِفُّ غَروبُه.