وأن يكونوا قد شاركوا سائر شعراء قبائلهم في حياتهم الفنية، وقد رأينا مثلا لهذا قيس بن الحدادية الذي شارك قبيلته اجتماعيا وفنيا مشاركة قوية، خاض معها غمار أيامها، بل قادها أحيانا إلى مواطن النصر، وتغنى بهذا كله في شعره. ومن الطبيعي أيضا أن تحرص القبيلة على هذا الشعر وترويه، وتتغنى به، وتتناقله جيلا بعد جيل، حتى يتلقفه من أفواه أبنائها رواة الشعر العربي الذين كانوا يشدون الرحال إلى البادية ليجمعوا شعر قبائلها. ومعنى هذا أن جزءا من شعر الصعاليك، وهو ما يصح أن نطلق عليه "الشعر خارج دائرة الصعلكة"، قد وصل إلينا عن طريق قبائلهم نفسها.
ومن هذه المجموعة أيضا ذلك الشعر الذي خلا من مهاجمة القبيلة أو التعرض لها بما تكره، كوصف الغارات، أو وصف وحش الصحراء، أو قصص تلك الأشباح التي كانت تتراءى للصعاليك في تشردهم في ليالي الصحراء المظلمة، فما على القبيلة ضير من رواية هذا الشعر، أو هذه الأقاصيص العجيبة التي ترضي الذوق الشعبي، في أوقات فراغها أو في ليالي أسمارها. ولعل مما يؤيد هذا قلة ما وصل إلينا من شعر هؤلاء الصعاليك الذي هاجموا فيه قبائلهم، أو تعرضوا فيه لها بما تكره، وليس من شك في أنه كان شعرا كثيرا، فإن هذه المجموعة من الشعر قد أغفلتها القبائل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. ويشبه هذا ما نلاحظه من ضياع تلك المجموعة من الشعر التي قالها مشركو مكة في أول ظهور الإسلام، عند احتدام الصراع بين شعراء مكة المشركين وشعراء المدينة الذين اعتنقوا الإسلام، ووقفوا يدعون له، ويدافعون عنه.
ومن هذه المجموعة أيضا شعر أولئك الصعاليك الذين فقدوا توافقهم الاجتماعي مع قبائلهم لأسباب اقتصادية في أكثر الأحيان، أو اجتماعية في بعض الأحيان، ولكنهم لم يفارقوها، كما نرى عند طائفة من صعاليك هذيل، أو عند السليك الذي قلنا إن العصبية القبلية عنده قد اتسعت حتى أصبحت "عصبية جنسية"، أو عند تأبط شرا الذي جعل من قبيلته فهم -أو بتعبير