للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدق- من موطنها مركزا يعود إليه بعد غاراته١، فهذه الطوائف من الصعاليك لم تجد قبائلهم ضيرا من أن تروي ما وصل إليها من شعرهم، وبخاصة لأنه يصلح مادة للسمر الممتع الشهي.

ومعنى هذا المصدر الأول من مصادر شعر الصعاليك هو قبائلهم نفسها. وقد رأينا أن الصعاليك الخلعاء الذين تبرأت منهم قبائلهم، وطردتهم من حماها، قد استجاروا ببعض القبائل أو ببعض ساداتها، إما استجارة دائمة وإما استجارة مؤقتة. ومن الطبيعي أن يتحدث شعراء هذه الطائفة من الصعاليك الشذاذ عن هذا الجوار في شعرهم، فيمدحوا من أجاروهم، ويثنوا عليهم بما يرونه ردا لذلك الدين الذي طوقت به أعناقهم. ومن الطبيعي أيضا أن يعرضوا لقبائلهم التي خلعتهم، فيكيلوا لها الهجاء، ويخصوا بالذات أولئك الذين كانوا سببا في خلعهم، ومن الطبيعي أن تحرص هذه القبائل التي أجارتهم، هؤلاء السادة الذين أنزلوهم في حماهم، على هذا الشعر حرصا شديدا، وأن يعملوا على إذاعته بين العرب؛ لأنه تسجيل لبعض مفاخرهم، وإشادة ببعض أمجادهم، وليس ما يمنع من أن تذيع هذه القبائل ما قاله هؤلاء الصعاليك في قبائلهم التي خلعتهم؛ لأنه فرصة للنيل منها.

وإذن فالمصدر الثاني من مصادر شعر الصعاليك هي تلك القبائل التي استجار بها الخلعاء منهم.

والمصدر الثالث من مصادر شعر الصعاليك هم الصعاليك أنفسهم. وأظن أنه ليست هناك غرابة في أن يروي الصعاليك شعر شعرائهم، ويتغنوا به، ويرددوه في كل مناسبة؛ لأنه صورة من حياتهم، وصدى لما يدور في نفوسهم. ومن الطبيعي أن يعمل هؤلاء الصعاليك على أن يذيعوا هذا الشعر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ لأنه تعبير عن مذهبهم في الحياة، وتعليل لذلك الأسلوب الذي سلكوه في حياتهم، لعلهم بهذا يضمون إليه أنصارا جددا،


١
فأبت إلى فهم وما كدت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
"حماسة أبي تمام ١/ ٣٨".

<<  <   >  >>