للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثلاثة منابع أساسية: عالم الحيوان أولا، والحياة الإنسانية ثانيا، ثم البيئة الطبيعية ثالثا، وهو ترتيب قائم على أساس "الكم"، كما يقول المناطقة.

أما المنبع الأول فلعله أغزر المنابع التي اعتمد عليها الشعراء الصعاليك في تشبهاتهم، فقد استغلوا حيوان الصحراء ووحشها وطيرها وحشراتها استغلالا واسعا. ومرد ذلك من غير شك إلى حياتهم القريبة منها نتيجة لتشردهم في مواطنها الأصلية وبيئاتها الأولى. وقد رأينا في الفصل السابق أنهم تعرضوا بالذكر لسبعة وعشرين نوعا منها، وطبيعي أننا لم ندخل في ذلك الإحصاء تلك الأنواع الأليفة التي تعرضوا لها بالذكر كالإبل والخيل والغنم والبقر؛ لأننا كنا بصدد الحديث عن تشردهم.

وقد رأينا في الفصل السابق كيف استغل الشعراء الصعاليك الطير وحيوان الصحراء المشهور بالعدو في حديثهم عن شدة عدوهم. وحين ننظر مرة أخرى في هذه الظاهرة الموضوعية في شعر الصعاليك من الزاوية الفنية التي ندرسها الآن نجد أن التشبيه هو أكثر الأساليب شيوعا في هذا الحديث.

أما ضواري الصحراء، وجوارح طيرها، وأفاعيها، فأكثر ما يستغلها الشعراء الصعاليك في تشبيه أنفسهم أو رفاقهم أو أعدائهم بها.

فالشنفرى سمع أزل لا يبالي بشيء مهما يكن صعبا:

أنا السمع الأزل فلا أبالي ... ولو صعبت شناخيب العقاب١

وبنو سلامان أعداؤه الألداء يعرفون بشائر عرامته منذ صغره يوم أن كان يمشي بينهم كالأسد الورد:

هم عرفوني ناشئا ذا مخيلة ... أمشي خلال الدار كالأسد الورد٢

ويصف تربصه فوق المرقبة العالية المنيعة، وكيف بات على حد ذراعيه "كما ينطوي الأرقش المتقصف"٣، أو "الأرقم المتعطف" في رواية


١ ديوانه المطبوع/ ٣٣ - والسمع فيما يرى العرب ولد الذئب من الضبع.
٢ المصدر السابق/ ٣٤.
٣ الأغاني ٢١/ ١٤٠.

<<  <   >  >>