للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأرسلوهن يهتلكن بهم ... شطر سوام كأنها العجد١

أما عيون الماء في ديار أبي الطمحان التي يحن إليها وهو خليع مجاور في مكة فهي في صفائها كعين الغراب:

إذا شاء راعيها استقى من وقيعة ... كعين الغراب صفوها لم يكدر٢

ويستغل الشعراء الصعاليك السماني استغلالا طريفا، فهم يشبهون بأشلائها نعالم الممزقة، وهي طرافة تأتي من تلك المفارقة الغريبة بين طرفي التشبيه:

ونعل كأشلاء السماني تركتها ... على جنب مور كالنحيزة أغبرا٣

ونعل كأشلاء السماني تبذتها ... خلاف ندى من آخر الليل أورهم٤

ويستغل الشعراء الصعاليك الإبل في تشبياتهم على صورة واسعة، ولكنها لا تصل إلى الدرجة التي نراها في استغلالهم لحيوان الصحراء السريع أو ضواربها.

ومرد ذلك -فيما يبدو- إلى قلة اتصالهم بتلك الفصيلة من الحيوان التي هي أول سمات "الرأسمالية" العربية. وقد يؤيد هذا ما نلاحظه من أن أكثر الأوضاع التي يتخيرونها للإبل في تشبيهاتهم تعد من الناحية النفسية أصداء لذلك الحقد الذي كان يملأ نفوسهم عليها، فالصعلوك الخامل المذموم عند عروة:

يعين نساء الحي ما يستعنه ... فيمسي طليحا كالبعير المحسر٥

والجبل بعد أن غسله المطر وصقله عند صخر الغي كالبعير الأجوب الذي طلى ونتف:

فذاك السطاع خلاف النجا ... ء تحسبه ذا طلاء نتيفا٦

وحين يسخر أبو خراش من امرأته التي لا تستطيع صبرا على الجوع يذكر


١ شرح أشعار الهذليين ١/ ١٣ - والحديث في البيت عن الفرسان والخيل. الاهتلاك: رمي النفس في تهلكة. والعجد: الغربان.
٢ الأغاني ١١/ ١٣٤ "بولاق". والحيوان للجاحظ ٣/ ٤٢١ - والوقيعة: المكان الصلب يمسك الماء. وفي الأمثال "أصفى عينا من الغراب" "المصدر الأخير/ ٤٢١".
٣ الشنفرى في ديوانه المطبوع/ ٣٥. وانظر: ص٢٢٦ من هذا البحث.
٤ أبو خراش في ديوان الهذليين ٢/ ١٣١. وانظر: ص٢٢٦ من هذا البحث
٥ ديوانه/ ٧٧.
٦ شرح أشعار الهذلين ١/ ٤٤ - السطاع: جبل. خلاف النجاء أي بعد المطر.

<<  <   >  >>