للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن رجوفها كجوف البعير:

إذا هي حنت للهوى حن جوفها ... كجوف البعير، قلبها غير ذي عزم١

والقبر عنده في احديدابه ومنظره العالم كالبعير:

إذا راحوا سواي وأسلموني ... لخشناء الحجارة كالبعير٢

ومع ذلك فلا يخلو الأمر من بعض الصور الطريفة التي أحسن الشعراء الصعاليك اختيار أوضاعها وألوانها، فحين يصف أبو خراش عدوه هو ورفاقه في ليلة ممطرة من ليالي جمادى الباردة، يشبه الغثاء الكثيف الملتف تحت أقدامهم بأوساط الإبل الدهم التي قرن بعضها ببعض:

إذا ابتلت الأقدام والتف تحتها ... غثاء كأجواز المقرنة الدهم٣

وصوت القوس عند عمرو ذي الكلب كحنين الناقة المسنة المتخلفة عن الإبل الفنية لأنها لا تستطيع مسايرتها:

تعج في الكف إذا الرامي اعتزم ... ترنم الشارف في أخرى النعم٤

أما الخيل فهي قليلة الدوران في تشبيهات الشعراء الصعاليك لدرجة كبيرة. ويبدو أن السبب في هذا قلة اعتمادهم عليها في حياتهم. ولكن الصور التي وردت -على قلتها- مشرقة زاهية. ولعل أطرف هذه الصور على الإطلاق صورتان: صورة الفجر عند تأبط شرا حين لاح ضوءه كأنه تلك الخطوط البيض في جواد أدهم:

وقد لاح ضوء الفجر عرضا كأنه ... بلمحته أقراب أبلق أدهم٥

وصورة البرق الذي يلمع بين السحاب الأسود عند عروة كأنه فرس بلقاء حديثة النتاج تنحي برجليها ذكور الخيل عن ولدها فيبدو بياض بطنها:

إذا قلت استهل على قديد ... يحور ربابه حور الكسير


١ ديوان الهذليين: القسم الثاني/ ١٢٦.
٢ المصدر السابق/ ١٢٦.
٣ المصدر نفسه/ ١٣٠.
٤ شرح أشعار الهذليين ١/ ٢٤٠.
٥ الأغاني ١٨/ ٢١٥.

<<  <   >  >>