للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم وهم يزجرونه ما يزجر المقامرون بعض قداحهم الخاسرة إذا ضربوا بها:

مطلا على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر١

ومن أطرف الصور التي نراها عند الشعراء الصعاليك تلك الصور التي استخدموا في رسمها ألوانا من الحياة الاقتصادية. ووجه الطرافة في هذه الصور هو أنها مرسومة بريشة أولئك الصعاليك الفقراء الذين ارتبطت حياتهم بهذه الحياة ارتباطا وثيقا.

ولعل أطرف هذه الصور على الإطلاق ثلاث صور يرسمها صخر الغي، يشبه في إحداها أواخر السحب المتراكمة الثقيلة التي يتوالى بعضها في إثر بعض بسفائن أعجمي رست إلى بعض السواحل فأوقرت من صادراته:

كأن تواليه بالملا ... سفائن أعجم ما يحن ريفا٢

ويتصور في الثانية هذه السحب أيضا وقد حملت من الماء ما أثقلها كأنها مقبلة من تجارة وقد حملت بضائع كثيرة اشتريت بغير حساب:

فأقبل من طوال الذري ... كأن عليهن بيعا جزيفا٣

ويدعو في الثالثة أصحابه إلى أن يثبتوا في القتال، ويمشوا إلى أعدائهم كما تمشي جمال الحيرة المثقلة بالبضائع التي تحملها من تلك المنطقة التجارية الغنية:

يا قوم ليست فيهم غفيرة ... فامشوا كما تمشي جمال الحيرة٤

ويستغل الشعراء الصعاليك أيضا بعض مظاهر الحياة النفسية في تشبيهاتهم، على نحو ما رأينا عند الشنفرى الذي يشبه صوت قوسه بصوت الشجي الذي أثقلته همومه وأحزانه:


١ ديوانه/ ٧٨ - المنيح هنا هو القدح الذي لا نصيب له.
٢ شرح أشعار الهذليين ١/ ٤٣، وديوان الهذليين القسم الثاني/ ٦٩ - ما يحن أي خالطن.
٣ المصدران السابقان: المواضع نفسها.
٤ شرح أشعار الهذليين ١/ ٣٣.

<<  <   >  >>