للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَمَرَهُمْ أَنْ يتواصَوْا بِهَا؟!

وَقَوْلُهُ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ ... } إِلَخْ؛ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَالَّذِينَ حَوْلَهُ، يتوسَّلون إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي دُعَائِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التوسُّلات الَّتِي يُرْجَى مَعَهَا الْإِجَابَةُ.

وَنَصَبَ قَوْلَهُ: {رَّحْمَةً وَعِلْمًا} عَلَى التَّمْيِيزِ المحوَّل عَنِ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَسِعَتْ رحمتُك وعلمُك كُلَّ شَيْءٍ. فَرَحْمَتُهُ سُبْحَانَهُ وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ وَالْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَلَكِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ خَاصَّةً بالمتَّقين؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ... } الْآيَةَ (١) .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (٢) ؛ أَيْ: أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ تفضُّلاً وَإِحْسَانًا، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ أحدٌ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) :

((إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ ـ أَوْ تَسْبِقُ ـ غَضَبِي)) (٣) .


(١) الأعراف: (١٥٦) .
(٢) الأنعام: (٥٤) .
(٣) رواه بألفاظ مختلفة: البخاري في التوحيد، (باب: قول الله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (١٣/٣٨٤-فتح) ، وأبواب أخرى منه، وفي بَدء الخلق، (باب: ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (٦/٢٨٧-فتح) ، ومسلم في التوبة، (باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه) (١٧/٧٤-نووي) ، والترمذي في الدعوات.

<<  <   >  >>