للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تِلْكَ الْكَرَامَاتِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ، وَسَيْرِهِمْ عَلَى هَدْيِهِمْ.

ثَالِثًا: أَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ هِيَ الْبُشْرَى الَّتِي عجَّلها اللَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبُشْرَى كُلُّ أَمْرٍ يدلُّ عَلَى وِلَايَتِهِمْ وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِمْ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْكَرَامَاتُ.

هَذَا؛ وَلَمْ تَزَلِ الْكَرَامَاتُ مَوْجُودَةً لَمْ تَنْقَطِعْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، والمشاهدةُ أكبرُ دَلِيلًا.

وَأَنْكَرَتِ الفلاسفةُ (١) كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا أَنْكَرُوا مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَكْرَتِ الْكَرَامَاتِ أَيْضًا الْمُعْتَزِلَةُ، وَبَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ؛ بِدَعْوَى الْتِبَاسِهَا بِالْمُعْجِزَةِ، وَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَرَامَةَ ـ كَمَا قُلْنَا ـ لَا تَقْتَرِنُ بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ.

لَكِنْ يَجِبُ التَّنَبُّهُ إِلَى أَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ الدَّجاجلةُ وَالْمُشَعْوِذُونَ مِنْ أَصْحَابِ الطُّرُقِ المُبتدعة الَّذِينَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ بالمتصوِّفة مِنْ أَعْمَالٍ وَمَخَارِيقَ شَيْطَانِيَّةٍ؛ كَدُخُولِ النَّارِ، وَضَرْبِ أَنْفُسِهِمْ بِالسِّلَاحِ، وَالْإِمْسَاكِ بِالثَّعَابِينِ، وَالْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ ... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لَيْسَ مِنَ الْكَرَامَاتِ فِي شَيْءٍ؛ فَإِنَّ الْكَرَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِحَقٍّ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ (٢) .


(١) الفلسفة باليونانية: محبة الحكمة. والفيلسوف هو: (فيلا) و (سوفا) . و (فيلا) : هو المحب. و (سوفا) : الحكمة؛ أي: هو محب الحكمة.
وفلاسفة العرب: مَن اتبع فلاسفة اليونان في كفرهم وضلالاتهم؛ كأرسطو طاليس، وأفلاطون، وغيرهما، ومن فلاسفة العرب ابن رشد وابن سينا والرازي الطبيب وغيرهم.
وهؤلاء لا يؤمنون بالأنبياء ومعجزاتهم، ولا الأولياء وكراماتهم. وانظر (ص١٢٧) .
(٢) وهناك نوعٌ آخر؛ وهو استعانة بعضهم بالجن لقضاء بعض الحاجات يظن بعض العوام أنه من الكرامات؛ وهو نوعٌ من الشعوذة إذا فسدت النيَّات.

<<  <   >  >>