للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ أَمْ لَا.

وَثَانِيهُمَا: الْإِيمَانُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ وَاقِعَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لَهُ؛ لَا خَالِقَ لَهَا سِوَاهُ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (١) .

ويجبُ الْإِيمَانُ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كلَّف الْعِبَادَ، فَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

وَلَا مُنَافَاةَ أَصْلًا بَيْنَ مَا ثَبَتَ مِنْ عُمُومِ مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ لجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَبَيْنَ تَكْلِيفِهِ الْعِبَادَ بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرٍ ونهيٍ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الْمَشِيئَةَ لَا تُنَافِي حُرِّيَّةَ الْعَبْدِ وَاخْتِيَارَهُ لِلْفِعْلِ، وَلِهَذَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ الْمَشِيئَتَيْنِ بِقَوْلِهِ:

{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٢) .

كَمَا أَنَّهُ لَا تلازمَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَشِيئَةِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ المتعلِّق بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، فَقَدْ يَشَاءُ اللَّهُ مَا لَا يحبُّه، ويحبُّ مَا لَا يَشَاءُ كَوْنَهُ:

فَالْأَوَّلُ: كَمَشِيئَتِهِ وُجُودَ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ.

وَالثَّانِي: كَمَحَبَّةِ إِيمَانِ الْكُفَّارِ، وَطَاعَاتِ الفجَّار، وَعَدْلِ الظَّالِمِينَ، وَتَوْبَةِ الْفَاسِقِينَ، وَلَوْ شَاءَ ذَلِكَ؛ لَوُجِدَ كُلُّهُ؛ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.


(١) الصافات: (٩٦) .
(٢) التكوير: (٢٨، ٢٩) .

<<  <   >  >>