قلنا: إذا كان التابعي يرفع الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الاحتمال الأقوى أن هذا التابعي سمعه من صحابي، والصحابة كلهم عدول، فكيف نرد؟ قالوا: الاحتمال الآخر أن التابعي سمعه من تابعيٍ آخر، والتابعي سمعه من تابعيٍ ثالث، والتابعي الثالث من رابع إلى ستة، وقد وجد في إسناد حديث ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، في حديث يتعلق بسورة الإخلاص مخرج في المسند وفي سنن النسائي، وهؤلاء التابعون فيهم من هو ضعيف؛ لأن التابعين ليس كلهم ثقات، بل فيهم المتكلم فيه، وإذا وجد هذا الاحتمال لم توجد غلبة الظن بثبوت الخبر، وحينئذٍ يكون من قسم الضعيف.
صاحب التمهيد عنهم نقلهْ ... ومسلم صدر الكتاب أصلهْ
وإن كان ليس من قوله، مسلم ليس من قوله، وإنما ذكره على لسان خصمه، مسلم ذكر الكلام على لسان خصمه، ماذا يقول مسلم؟ يقول:"إن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم في الأخبار ليس بحجة" هذا ليس من قول مسلم، وإنما الخصم الذي رد عليه مسلم في المقدمة قال هذا الكلام، ولم يعترض عليه.
يقول ابن الصلاح:"وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل، والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث، ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم" نعم هو الذي استقر عليه الاصطلاح، قال:
ورده جماهرُ النقادِ ... . . . . . . . . .
النقاد نقاد الحديث، صيارفته، جلهم بعد الشافعي، الإمام أحمد، البخاري، المديني، يحيى بن معين، ابن أبي حاتم، أبو زرعة، الدارقطني، كلهم بعد الشافعي، قال:"والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة"، مقرر في كتب المالكية، في كتب الحنفية أيضاً، "وأصحابها في طائفةٍ، والله أعلم".
بل نقل ابن عبد البر عن الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحدٍ من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين، هذا الإجماع نقله ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن الطبري، ونقل ابن عبد البر أيضاً خلاف سعيد فهل يستدرك على الطبري بقول سعيد؟