وعلى كل حال من تورع وتبرع وعلم الناس مجاناً، كما عُلم مجاناً فأجره موفورٌ عند الله -سبحانه وتعالى-، لكن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل، بل الدليل على خلافه، نعم من كان همه وقصده الدنيا بحيث لا يفعل أو لا يعمل عملاً شرعياً إلا بأجرة هذا لا شك أنه عنده خلل، أما العلم غير العلم الشرعي من علوم الدنيا فلا بأس بأخذ الأجرة عليه قولاً واحداً، كالطب والهندسة وغيرها؛ لأنها كغيرها من المهن والحرف، كما يشتغل المزارع بأجرة يعلم الزراعة بأجرة، كما يشتغل المهندس بأجرة يعلم الناس الهندسة بأجرة لا بأس.
الوسائل إلى العلوم الشرعية من أهل العلم من يلحقها بالمقاصد، فتعليم اللغة ينبغي أن يكون مجاناً، وإن كان تعليمها أخف، وأخذ الأجرة عليها أخف من العلوم الشرعية المحضة عند من يمنع ذلك، ومن أهل الحديث من يفرض في تعليم العربية لكل بيتٍ من أبيات الألفية أجر معين، كل بيت بدرهم، ولا إشكال في ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن ينبغي أن يكون هذا العلم الذي يبتغى به وجه الله -سبحانه وتعالى- مما يبذل مجاناً؛ ليكون الأجر موفوراً يوم القيامة.
أما من يعلم الناس وقصده الدنيا من غير نظرٍ ولا التفات إلى الآخرة فهذا على خطرٍ عظيم {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [(١٥) سورة هود] إلى آخره، لكن الشأن فيمن يعلم الناس يبتغي بذلك وجه الله، ويؤخذ أجرةً يستعين بها على أمور دنياه هذا الذي أجازه جمهور العلماء، لا سيما إذا عاقه تعليم الناس عن التكسب لعياله، فأخذ الأجرة خيرٌ من أخذ الزكاة، وتكفف الناس، والحاجة إليهم، نعم.
[أعلى العبارات في التعديل والتجريح:]
مسألة: قال الخطيب البغدادي: أعلى العبارات في التعديل والتجريح أن يقال: حجة أو ثقة، وأدناها أن يقال كذاب، قلتُ: وبين ذلك أمورٌ كثيرة يعسر ضبطها، وقد تكلم الشيخ أبو عمروٍ على مراتب منها، وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها.