يقول:"وقد رُوي عن الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ" من الذي يكفيه شمه؟ من الذي يكفيه شمه من المحدثين؟ الذي لا يحفظ الحديث يكفيه شمه؟ ما يكفيك شمه، ما يكفيك إلا حفظه وضبطه وإتقانه، لكن الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث يكفيه شمه، يكفي أن يسمع طرف الحديث؛ لأن بعد الحديث عنده.
"وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة" يجتمع عند الشيخ ألوف، عشرات آلاف، عشرين ألف، ويعظم الجمع جداً، ويصعد المستملون كل واحد من العلماء له عدد من المستملين، والمراد بالمستملي الذي يبلغ كلام الشيخ لمن لا يسمع، يوجد شخص في الصف العاشر، وآخر في الصف العشرين وهكذا، فإذا سمع المستملي الأول من الشيخ رفع صوته ليسمعه من ورائه وهكذا، كالذي يبلغ خلف الإمام التكبير وغيره ليسمعه المصلون.
"ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة ويبلغون عن المشايخ ما يملون"، ومن سنن أهل الحديث اتخاذ المستملين، على أن يكون المستملي فهماً يقظاً، لا مغفل، "فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام، وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره" إذا خفي عليه كلمة واحدة من كلام الشيخ قال له: ماذا قال الشيخ؟ إذا أخبره بالكلمة جازت له روايتها، ووقع "هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، وهذا هو الأصلح للناس" لأنه لو اشترطنا أن يسمع من الشيخ كل حرف من الحروف ما صفا شيء، الإنسان لا بد أن يغفل، لا بد أن يسهو، "وإن كان قد تورع آخرون وشددوا في ذلك، وهو القياس" القياس أن يقول: سمعتُ من فلان حديث كذا، وثبتني زميلي فلان أو فلان بكلمة كذا، فاتني من الحديث كلمة كذا فسألتُ عنها فلان، هذا هو الأصل.