وشدد بعضهم في منع الرواية بالمعنى كمحمد بن سيرين وبعض العلماء؛ لأن الرواية باللفظ هي الأصل، فكيف تقول: حدثني فلان بكذا وأنت غيرت لفظه؟! لكن إذا كان هذا التغيير لا يترتب عليه شيء فما المانع من أن تروي الحديث إذا جزمت بأنك أتيت بالمراد منه؟ ومع ذلك لو احتطت وقلت: نحوه، أو شبهه، أو قريباً منه، أو المعنى، المعنى واحد كما ينبه الأئمة على ذلك، منهم من جوز ذلك للصحابة دون غيرهم، ومنهم من جوز ذلك لمن يحفظ الأصل دون غيره، لكن هذا القول أو الذي قبله أيضاً تجويزه للصحابة دون غيرهم مخالف لما عليه عمل الأئمة، وجد اختلاف بعض الألفاظ من الرواة من بعد الصحابة كالزهري مثلاً، مع أنه من أحفظ الناس للمتون، وكون الرواية بالمعنى إنما تجوز لحافظ للفظ يتصرف فيه ويعبر عنه بأي معنىً لا وجه له؛ لأنه إنما جوزت الرواية بالمعنى لتعذر الحرف واللفظ، المقصود أن هناك أقوال أخرى لا يتلفت إليها، والذي استقر عليه عمل الأئمة هو قول الجمهور، نعم.
[اختصار الحديث:]
فرعٌ آخر: وهل يجوز اختصار الحديث فيحذف بعضه إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور؟ على قولين، فالذي عليه صنيع أبي عبد الله البخاري -رحمه الله- اختصار الأحاديث في كثيرٍ من الأماكن، وأما مسلمٌ -رحمه الله- فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، ولهذا رجحه كثيرٌ من حفاظ المغاربة، واستروح إلى شرحه آخرون لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري، وتفريقه الحديث في أماكن متعددة بحسب حاجته إليه، وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديماً وحديثاً.
قال ابن الحاجب في مختصره: مسألةٌ: حذف بعض الخبر جائزٌ عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء ونحوه، فأما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ، كان مالكٌ -رحمه الله- يفعل ذلك كثيراً تورعاً، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله، وقال مجاهد -رحمه الله-: أنقص الحديث ولا تزد فيه.