إذا نظرنا إلى إطلاقات الأئمة وجدنا الأئمة يطلقون الشاذ بإزاء التفرد فقط، ويطلقون المنكر أيضاً بإزائه أيضاً، لكن إذا قلنا: إن الشاذ من قسم الضعيف فلا بد فيه من المخالفة، وإذا قلنا: إن من الشاذ ما هو صحيح ومن الصحيح ما هو صحيحٌ شاذ، بل غاية ما هنالك أن يكون صحيح وأصح فالأمر فيه سهل.
يقابل الشاذ المحفوظ، فإذا كان الشاذ: ما رواه الثقة مخالفاً من هو أوثق منه، فالمحفوظ: ما رواه الثقات، يعني نعكس الحد، المحفوظ ما رواه الثقات، وإن وجدت المخالفة من واحد، ويقابل المنكر المعروف، وإذا كان تعريف المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً سائر الرواة، فيكون تعريف المنكر .. ، إذا كان المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً الرواة فيكون حينئذٍ المعروف: ما رواه الثقاة وإن وجدت المخالفة من ضعيف، نعم.
[شرح: النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد:]
"النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد: مثاله: أن يروي حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً, فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد أو غير محمد عن أبي هريرة, أو غير أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذه متابعات، فإن روي معناه من طريق أخرى عن صحابي آخر سمي شاهداً لمعناه، وإن لم يرو بمعناه أيضاً حديث آخر فهو فرد من الأفراد، ويغتفر في باب "الشواهد والمتابعات" من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الأصول, كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك، ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: "يصلح للاعتبار", أو "لا يصلح أن يعتبر به" والله أعلم".
هذه عبارات يستعملها أهل الحديث، الاعتبار والمتابعات والشواهد، وهذه الترجمة توهم بأن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد، وليس الأمر كذلك، بل الاعتبار هيئة التوصل والكشف عن المتابعة والشاهد، الاعتبار: السبر والبحث عن المتابعات والشواهد، وعلى هذا فحق الترجمة أن يقال: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
الاعتبار سبرك الحديث هل ... شارك راوٍ غيره فيما حمل؟