القسم الخامس: المكاتبة، بأن يكتب إليه بشيء من حديثه، فإن أذن له في روايته عنه فهو كالمناولة المقرونة بإجازة، وإن لم تكن معها إجازة فقد جوز الرواية بها أيوب ومنصور والليث وغير واحد من فقهاء الشافعية والأصوليين، وهو المشهور، وجعلوا ذلك أقوى من الإجازة المجردة، وقطع الماوردي بمنع ذلك، والله أعلم.
وجوز الليث ومنصور في المكاتبة، أن يقول: أخبرنا وحدثنا مطلقاً، والأحسن الأليق تقيده بالمكاتبة.
المكاتبة: مفاعلة بين طرفين، يكتب الطالب إلى الشيخ بأن يكتب له ما بلغه من حديث في مسألة كذا مثلاً، فيكتب إليه الشيخ، أو يكتب الطالب للشيخ أن يكتب له ما يرويه من طريق فلان، أو من حديث فلان من الصحابة فيكتب له الشيخ، هذه مكاتبة، فإذا كتب الشيخ للطالب بحديث أو بأحاديث جاز للطالب أن يروي عنه هذه الأحاديث ولو لم يأذن له بروايتها، لكن أولى ما يقال: إن يقول الطالب: كتب إليّ فلان بكذا قال: حدثنا فلان عن فلان إلى آخره، وهذا النوع من الرواية موجود في الصحيحين وغيرهما من الصحابة إلى التابعين، من التابعين إلى أتباعهم، ممن دونهم، من شيوخ الأئمة، في البخاري كتب إلي محمد بن بشار قال، فالرواية بالمكاتبة صحيحة، ولو قال: أخبرنا أو حدثنا فالإخبار سائغ؛ لأن الإخبار يحصل بغير المشافهة، يحصل بالمكاتبة، يحصل بالإشارة، يحصل بنصب علامة، أو أمارة، كل هذا يحصل به الإخبار، فيجوز أن يقول: أخبرنا، لكن لو قال: كتب إلي فلان، أو حدثني فيما كتب به إلي، أو أخبرني كتابةً فهو أولى، نعم.
[إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه:]
القسم السادس: إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه، فقد سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء، منهم ابن جريج، وقطع به ابن الصباغ، واختاره غير واحدٍ من المتأخرين، حتى قال بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه عن روايته عنه فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه.