يقول الحافظ ابن كثير "قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال"، نعم، الراوي أسقط بينه وبين من روى عنه راوي، من الإرسال "لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، والله أعلم"، نعم إذا كان الشيخ ضعيف فأسقطه من أجل أن يروج الخبر، هذا يذم ذم شديد، لكن إذا كان الباعث له من الشيخ صغير السن مثلاً، ويخشى أنه لو حدث عن شيخ صغير السن والناس بحاجة إلى مثل هذا الحديث فالأمر أخف، أو تكرر اسمه كثيراً ويريد أن ينوع بالعبارة وهذا أكثر ما يكون في تدليس الشيوخ، على ما سيأتي، هناك تدليس وهو شر أنواع التدليس: تدليس التسوية، وهو أن يروي حديثاً عن ضعيفٍ بين ثقتين، وهذان الثقتان لقي أحدهما الآخر، لكن هذا الثقة يروي عن الثقة بواسطة ضعيف، فيأتي المدلس تدليس التسوية فيسقط الضعيف، فالواقف على هذا الحديث، والناظر فيه يرى الأول ثقة، وليس بمدلس، وما في احتمال يكون سقط منه أحد يرويه عن ثقة فيكون صحيح، وهو ما يدري أن ممن جاء بعده ممن وصف بتدليس التسوية أسقط هذا الضعيف بين الثقتين، فيسقط الضعيف الذي في السند ويجعل السند عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظٍ محتمل فيستوي الإسناد، بعضهم يسمي هذا النوع تجويد، جود الإسناد، جعل كل ما فيه أجواد وحذف الأدنياء، وليس من هذا النوع أن يروى الحديث عن شيخين ثقةٍ وضعيف فيسقط الضعيف ويبقى الثقة، يعني إذا روى الحديث عن اثنين، زيد وعمرو، زيد ثقة وعمرو ضعيف، قال: ما لنا حاجة بعمرو يكفينا زيد، هذا لا يسمى تدليس، هذا فعله البخاري، روى حديث عن مالك وابن لهيعة أسقط ابن لهيعة إيش يصير؟ بقي مالك نجم السنن يكفي، فليس من هذا النوع.
وتدلس التسوية شر أنواع التدليس، ولا يكفي فيه أن يصرح الموصول بتدليس التسوية بالتحديث ما يكفي حتى يصرح في بقية السند للتحديث؛ لأنه ما من ثقتين إلا ويتحمل أن يكون أسقط بينهما واحد، فإذا صرح بالتحديث في جميع طبقات السند انتهى.