يقول -رحمه الله تعالى- في زيادة الثقة:"إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخٍ لهم" وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة، هل هي مقبولة أم لا؟ المتأخرون يصدرون الأحكام العامة، ويقولون: زيادة الثقة مقبولة، يطلقون ذلك سواءٌ كان في التقعيد والتنظير أو في التطبيق، والحاكم في مستدركه في الجزء الأول صفحة (٣) وصفحة (٨٦) في مواضع كثيرة من مستدركه يقول: "الزيادة من الثقات مقبولة في المتون والأسانيد" وهم يطلقون هكذا، لكن الذي ينظر في مواقع الاستعمال من الأئمة الكبار المتقدمين يجدهم لا يحكمون بأحكام مطردة، فأحياناً يقبلون هذه الزيادة، وأحياناً يردونها، ويحكمون عليها بالشذوذ، فهل من ضابط؟ من كتب في علوم الحديث حاول أن يوجد ضابط لقبول هذه الزيادة أو مثل هذه الزيادة، لكن مثل ما ذكرنا في تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع لا يمكن أن تنضبط أحكام الأئمة المتقدمين بضابط، بل هو جارٍ على قاعدتهم في الحكم بالقرائن، فأحياناً الناظر في الإسناد يجده من أنظف الأسانيد، والمتن يشتمل على زيادة يترتب عليها حكم، ويجد الإمام أحمد حكم عليها بالشذوذ أو البخاري أو غيره، ونظير هذا الإسناد أو هذا الإسناد في موضعٍ آخر جاء لمتنٍ اشتمل على زيادة يحكم لها بالقبول، وهذا مثل ما قررناه أن الأئمة يحكمون بالقرائن، والإمام الواحد قد يحكم لهذه الزيادة بالقبول، وعلى تلك بالشذوذ، فليس لإمامٍ واحد قولٌ مطرد، وليس لمجموع الأئمة أيضاً قاعدة مطردة.