للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني أهل السيارات مثلاً الخبير بالسيارات مجرد ما يشوف السيارة يقول: هذه ما تصلح، طيب ويش السبب؟ شكلها طيب، ومحركاتها طيبة، يقول: لا أبداً ما تصلح، الصيرفي صاحب الذهب والفضة إذا أتي له بقطعة إما من الذهب أو من الفضة قال: هذه زيف، هذه مغشوشة، كيف؟ ما يقدر يشرح لك، وهكذا في سائر المهن والحرف والصناعات يطلع بعض الناس على ما لا يطلع غيره، الذي زاول مهنة العمار عَمَر مراراً خلاف الذي عَمَر مرة واحدة، يأتي هذا الذي عَمر مراراً يقول: شوف هذا وهذا .. ، هذا ما هو بعمل طيب، وصاحبه هو عنده أنه من أحسن الأشياء، فالمسألة مسألة اهتمام ومسألة خبرة، ولذا يقولون: "معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل"، تقول له: الحديث يقول: لا يصح، فيه علة، إيش هذه العلة؟ ما يستطيع التعبير عنها، فيرميه بالعجز، يقول: اذهب إلى فلان شوف إيش يقول لك؟ يذهب إلى فلان من النقاد ويقول له نفس الكلام، السبب؟ ما يدري، وهكذا من تعامل مع السنة، في حفظ متونها، والدربة على أسانيدها تجده أنه أول ما يسمع الخبر يتوقف فيه، وهم يتفاوتون كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: منهم من يقطع، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، ولا شك أن الذي يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني، من المتأخرين: ابن القيم وابن كثير، ابن رجب، وأمثال هؤلاء.

"فهؤلاء يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، معوجه ومستقيمه كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف -الرديئة المغشوشة- والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا" يعني لو جيء لواحدٍ منكم بثلاث قطع ذهب أبيض وفضة وما يسمونه بالإكسسوار مثلاً، عادي الناس قد لا يميزون، كلها أبيض، وكلها لماع، وما يدريه؟ لكن أهل الخبرة والصناعة يعرفون ويميزون.

<<  <  ج: ص:  >  >>