والواضعون أقسام كثيرة: منهم زنادقة، ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً, يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب وفي فضائل الأعمال وليعمل بها، وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم، وهم من أشر ما فعل هذا لما يحصل بضررهم من الغرة على كثيرٍ ممن يعتقد صلاحهم، فيظن صدقهم، وهم شرٌ من كل كذاب في هذا الباب، وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليهم في زبرهم عاراً على واضع ذلك في الدنيا، وناراً وشناراً في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا متواترٌ عنه، قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له، وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائهم، فإنه -عليه السلام- لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره، وقد صنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه، ولم يهتدِ إليه، وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً، أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال:((سيكذب علي)) فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً فقد حصل المقصود، فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن إذ قد بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفظاهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات خشية أن تروج عليهم أو على أحدٍ من الناس -رحمهم الله ورضي عنهم-.