الحديث الذي في الصحيح -في صحيح مسلم- يعني المتفق عليه، ((حتى لا تعلم)) حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ((رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه)) هذه رواية الأكثر، وهي في الصحيحين، وهي ماشية على الجادة؛ لأن الإنفاق إنما يكون باليمين، فرواية:((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) هذا مما انقلب، مثل به للمقلوب، لكن لو قال قائل حمايةً للصحيح، وصيانةً له، يقول: إن هذا الرجل ينفق بكثرة، ومن كثرة إنفاقه يعطي أحياناً بيمينه، وأحياناً بشماله، وأحياناً بيديه كلتاهما، صيانة للصحيح لما بعد، وإن كان عاد فيه بعد، التأويل هذا فيه بعد، لكن لا شك أن للصحيحين منزلة، ولا نفترض ونتصور في الرواة أنهم معصومون في الخطأ، لا، لكن لو قيل بهذا حينئذٍ لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن مثلوا به للمقلوب.
هنا نبه ابن الصلاح على أمور وهي: أنه لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث المعين الحكم بضعفه في نفسه، إذ قد يكون له إسناد آخر، يعني الحكم على سند خاص بأنه ضعيف لا يعني الحكم على المتن، إذ قد يثبت المتن بطرق أخرى، اللهم إلا أن ينص إمام مطلع على أنه لا يروى إلا من هذا الوجه، فإذا كان الخبر لا يروى إلا من هذا الوجه، وهذا الوجه ضعيف جزمنا بأن المتن ضعيف، وإذا حكمنا على سند بأنه صحيح، السند صحيح هل يلزم من ذلك صحة المتن؟ لا، لأن قد يكون فيه علة أو شذوذ، إذ شروط الصحة منها ما يرجع إلى المتن، ومنها ما يتعلق بالإسناد، فقد يكون الإسناد صحيحاً لكن متن الحديث فيه مخالفة، وفيه علة خفية تقدح فيه، على كل حال لا تلازم بين الحكم على الإسناد والحكم على المتن، قد يضعف الإسناد ويصح المتن بطرقٍ أخرى والعكس.