قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني، وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الصدغي يقول: حضرت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون الحافظ، وكان ابن المبارك ينسخ، وهو يُقرأ عليه، وقال أبو حاتم: كتبت عند عالمٍ وهو يقرأ، وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ، وحضر الدارقطني وهو شاب فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءاً، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس منه.
قلتُ: وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة، أو كان السامع بعيداً من القارئ، ثم اختار أن يغتفر اليسير من ذلك، وأنه إذا كان يفهم ما يُقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله، قلتُ: هذا هو الواقع في زماننا اليوم أنه يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم، والبعيد من القارئ والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي -رحمه الله-، وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أنه زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب فقال: لا تزجروهم، فإنا إنما سمعنا مثلهم.