ولو قال: أجزت رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني، فقد كتبه أبو الفتح محمد بن الحسين الأسدي وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح، وكذلك لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب، أو ما يجوز لي روايته، فقد جوزها جماعةٌ منهم أبو بكر بن أبي داود، قال لرجل: أجزتُ لك ولأولادك ولحبل الحبلة، وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان فقد حكى الخطيب جوزاها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة، ثم ضعف ذلك، قال: هذا يبنى على أن الإجازة إذنٌ أو محادثة، وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد الإجازة للطفل الصغير الذي لا يخاطب مثله، وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه، قال فقال: قد يجيز الغائب عنه ولا يصح سماعه عنه، ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه، يجيزون للأطفال من غير أن يسألوا عن أعمارهم، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال، والله أعلم.
ولو قال: أجزتُ لك أن تروي ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه فالأول جيد والثاني فاسد، وقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذنٌ كالوكالة، وفيما لو قال: وكلتك في بيع ما سأملكه خلاف، وأما الإجازة بما يرويه إجازة، فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة على الإجازة، وإن تعددت، وممن نص على ذلك الدارقطني، وشيخه أبو العباس ابن عقدة والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والخطيب وغير واحدٍ من العلماء، قال ابن الصلاح: ومنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل.
يقول -رحمه الله-: الإجازة للمجهول بالمجهول، الإجازة للمجهول: إجازة الشيخ للراوي المجهول، أو بالمجهول الذي لا يؤول إلى العلم، كأن يقول: أجزتُ لبعض الناس، أو يقول: أجزتُ لفلان أن يروي عني بعض مسموعاتي، بعض الناس ما يمكن تحديده، فلا يؤول إلى العلم، وبعض المسموعات لا يمكن أن تؤول إلى العلم، هذا النوع من الإجازة فاسد.