يقول:"وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: هذا من روايتك، من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه" يعني لا ينظر في النسخة هل هي موثقة أو غير موثقة؟ الذي كتبها متقن وضابط أو غير متقن؟ هل قوبلت على نسخ أو لم تقابل؟ لا يعتني بذلك، ولا ينظر في الطباق الذي يذكره أهل العلم في أواخر الكتب، الذي يثبتون به سماع الطلاب عن الشيخ هذا الكتاب، يعني في نهاية الكتب يقولون: بلغ سماعاً من فلان وفلان وفلان وفلان على الشيخ فلان، هذا يسمونه الطباق، وحينئذٍ إذا أثبت اسمه في الطباق يكون ممن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ، والشيخ يعلق على هذا الكلام فيقول: صحيحٌ ذلك، فلان ابن فلان، هذه عادة أهل العلم، فإذا كان الاسم موجود في الطباق له أن يروي، غير موجود كيف يروي؟ إذا لم يجزم بأنه من مرويه.
المقصود أن بعض الناس يتساهل، وهؤلاء "عدهم الحاكم في طبقات المجروحين" لكن إذا عرفنا أن هذا التساهل إنما وجد بعد عصور الرواية، وبعد ثبوت السنة وإثباتها في الدواوين المعتمدة صار الأمر سهل الأمر أسهل، يعني غاية ما هنالك أن يكون هذا الراوي مجروح وبعد ذلك، إذا كان الحديث في البخاري سواءً سمعه هذا الراوي أو لم يسمعه يتغير أو ما يتغير الحكم؟ لا يتغير، لكن على طالب العلم أن يعتني بالنسخة التي ينقل منها.
سم.
فرعٌ: قال الخطيب البغدادي: والسماع على الضرير أو البصير الأمي إذا كان مثبتاً بخط غيره أو قوله فيه خلاف بين الناس، فمن العلماء من منع الرواية عنهم، ومنهم من أجازها.
هذا الفرع مما ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-، وله عناية واهتمام بهذا العلم، فلا يوجد بابٌ من أبوابه، ولا نوعٌ من أنواعه إلا وصنف فيه كتاباً مستقلاً، وقدمه ورسوخه في هذا الشأن أمرٌ معروف لدى الخاص والعام، وإن نال منه بعض طلاب العلم ما نال لتأثره ببعض مصطلحات أهل الكلام، لكن يبقى أن أهل الحديث عيالٌ على كتبه، شئنا أم أبينا، لا تجد كاتب يكتب في علوم الحديث إلا ويقول: قال الخطيب، فينقل من كتبه، وعلى كل حال هو ليس بمعصوم.