الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-:
موطأ مالك "تنبيه": قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-: "لا أعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك"، إنما قاله قبل البخاري ومسلم، وقد كانت كتب كثيرة مصنفة في ذلك الوقت في السنن، لابن جريح، وابن إسحق -غير السيرة- ولأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ومصنف عبد الرزاق بن همام، وغير ذلك، وكان كتاب مالك، وهو الموطأ، أجلها وأعظمها نفعاً، وإن كان بعضها أكبر حجماً منه وأكثر أحاديث، وقد طلب المنصور من الإمام مالك أن يجمع الناس على كتابه، فلم يجبه إلى ذلك، وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وقال:"إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها".
وقد اعتنى الناس بكتابه الموطأ، وعلقوا عليه كتباً جمة، ومن أجود ذلك كتابا:(التمهيد – والاستذكار) للشيخ أبي عمر بن عبد البر النَّمَري القرطبي -رحمه الله-، هذا مع ما فيه من الأحاديث المتصلة الصحيحة والمرسلة والمنقطعة والبلاغات اللاتي لا تكاد توجد مسندة إلا على ندور.
لما تقدم الكلام على الصحيحين وأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله ذكر المؤلف الحافظ -رحمه الله- قول الشافعي وأنه لا يعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من موطأ مالك، قد يقول قائل: كيف تقولون: أن الصحيحين أصح الكتب والشافعي يقول كذا؟ مقالة الشافعي كانت قبل وجود الكتابين، هناك كتب مصنفة وهناك موطئآت، وهناك سنن، وهناك مصنفات لمن قبل الإمام مالك وعاصر من معاصريه، لكن لم يكتب لها من الشهرة ما كتب لموطأ الإمام مالك، كما أن من شيوخ الإمام مالك من لم يكتب له من الشهرة ما كتب للإمام مالك نجم السنن، فهذا العلم إنما يكتب له البقاء بالإخلاص، وكل ما كان الإخلاص فيه أكثر كان أبقى وأنفع؛ لأن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، فكم استفاد من موطأ الإمام مالك من شخص من المالكية وغيرهم، وللإمام مالك مثل أجورهم، وهكذا بقية المصنفين.