قال المصنف -رحمه الله تعالى-: النوع الثامن والعشرون: في آداب طالب الحديث، ينبغي له بل يجب عليه إخلاص النية لله -عز وجل- فيما يحاوله من ذلك, ولا يكن قصده عرضاً من الدنيا, فقد ذكرنا في المقدمات الزجر الشديد، والتهديد الأكيد على ذلك، وليبادر إلى سماع العالي في بلده, فإذا استوعب ذلك انتقل إلى أقرب البلاد إليه, أو إلى أعلى ما يوجد من البلدان، وهو الرحلة، وقد ذكرنا في المقدمات مشروعية ذلك, قال إبراهيم بن أدهم -رحمة الله عليه-: إن الله ليدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث، قالوا: وينبغي له أن يستعمل ما يمكنه من فضائل الأعمال الواردة في الأحاديث، كان بشر بن الحارث -الحافي- يقول: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة الحديث من كل مائتي حديث خمسة أحاديث، وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرةً تكن من أهله، وقال وكيعٌ: إذا أردت حفظ الحديث فاعمل به، قالوا: ولا يطول على الشيخ بالسماع حتى يضجره، قال الزهري: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب، وليفد غيره من الطلبة، ولا يكتم شيئاً من العلم، فقد جاء الزجر عن ذلك، قالوا: ولا يستنكف أن يكتب عمن هو دونه في الرواية والدراية، قال وكيعٌ: لا ينبل الرجل حتى يكتب عمن هو فوقه، ومن هو مثله، ومن هو دونه.
قال ابن الصلاح: وليس لموفقٍ من ضيع شيئاً من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد الكثرة وصيتها، قال: وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش، قال ابن الصلاح: ثم لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على مجرد سماعه وكتبه من غيره فهمه ومعرفته، فيكون قد أتعب نفسه، ولم يظفر بطائل، ثم حث على سماع الكتب المفيدة من المسانيد والسنن وغيرها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.