وأما قول الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني عن مسند الإمام أحمد: إنه صحيح: فقول ضعيف، فإن فيه أحاديث ضعيفة بل موضوعة، كأحاديث فضائل مرو، وشهداء وعسقلان، والبِرث الأحمر عند حمص، وغير ذلك، كما قد نبه عليه طائفة من الحفاظ، ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا -مع أنه لا يوازيه كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته- أحاديث كثيرة جداً، بل قد قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريباً من مائتين.
مسند الإمام أحمد من أعظم دواوين الإسلام، ومن أكبر كتاب السنة وأجلها، وفيه من الأحاديث ما يقرب من ثلاثين ألف، وإن قيل كما نبهنا أمس أنه فيه أربعين ألف، هذا المسند إطلاق الصحيح عليه لا شك أنه قول ضعيف، فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، وفي هذا لا تتجاوز النسبة فيه النسبة التي في السنن، ففيه أحاديث ضعيفة بل فيه موضوعة، يقول: كحديث فضائل مرو، وعسقلان، والبرث الأحمر عند حمص، الأرض اللينة السهلة هذا البرث، وغير ذلك وقد نبه عليه طائفة من الحفاظ.
الحافظ العراقي صنف في موضوعات المسند، وذكر فيه تسعة أحاديث، والحافظ ابن حجر أيضاً ذكر هذه الأحاديث وذيل عليها، والسيوطي كذلك، والمدراسي أيضاً له زيادات، قد تصل الأحاديث إلى أربعين حديثاً كلها موضوعة، ودافع الحافظ ابن حجر عن المسند دفاعاً طيباً من مثله، وهو حافظ من حفاظ السنة، وذكر هذه الأحاديث وأجاب عنها واحداً واحداً، في كتابه (القول المسدد في الذب عن المسند) وذكر أن دفاعه عن المسند إنما هو دفاع عن السنة، لا لشخص الإمام أحمد؛ لأن الدفاع عن مثل هذا الكتاب الكبير قربة إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهو دفاع عن السنة، فما بالكم بالدفاع عن الصحيحين الذين هما أصح الكتب المصنفة، إذا تطاول عليهم أحد فما دونهما من باب أولى، وقد امتدت بعض الأيدي إلى الصحيحين بالتصحيح والتضعيف، والبخاري ومسلم ليسا بمعصومين، وجد عندهم بعض الأحاديث التي تكلم عليها بعض الحفاظ وهي نادرة، يسيرة، بالنسبة لما اشتمل عليه الصحيحان من الأحاديث الصحيحة، والغالب أن الصواب مع الشيخين، مما يدرك من مظانه.