وقال بعضهم في المفاضلة بين معاوية -رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز، ومنزلة عمر بن عبد العزيز بين التابعين معروفة، ومنزلة معاوية من الصحابة معروفة، فبعضهم قد يتراءى له مع ما اتصف به عمر بن عبد العزيز من العلم والزهد والورع ونقاء السيرة، ما قد يجعله يفضل على بعض الناس ممن خاض في بعض الأمور التي تورع عنها كثيرٌ من الصحابة، في قتال وحروب وتولى أعمال، المقصود أن بعض الناس قد يتراءى له تفضيل بعض الناس على من هو دونه من وجهة نظره، ويغفل عن السبب المؤثر في الترجيح، الصحبة لا يعدلها شيء، ولذا لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) دل على أن الصحابة هم أفضل ناس على الإطلاق، فلا يمكن أن يوجد في التابعين ولو أفضل التابعين أويس القرني أو سعيد بن المسيب أفضل من أقل الصحابة شأناً.
المقصود أن الصحابة هم أفضل الأمة، ولا يوجد من يدانيهم ولا يقاربهم، وإن كان رأي ابن عبد البر في المسألة أن التفضيل إجمالي ((خيركم قرني، ثم الذي يلونهم)) يعني في الجملة، تفضيل القرن على القرن، وإلا قد يوجد في أفراد القرن الثاني من هو أفضل من بعض أفراد القرن الأول، لكنه قول مرجوح، وقد جاء في الحديث -وهو صحيح-: أن للعامل بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- أجر خمسين من الصحابة، إذاً هو أفضل من الصحابة؟ نعم قد يكون أفضل في هذا العلم على وجه الخصوص الذي عمله، لكن شرف الصحبة قدرٌ لا يشاركهم ولا يدانيهم فيهم أحد، وهذا ظاهر.
لو تصورنا شخص لو تصورنا اثنين أحدهم متصف بالعلم والعمل، والآخر عامي لا علم ولا عمل يذكر، يعني وإن كان مسلم، هذا العالم تصدق على شخص قد لا يكون هذا الشخص محتاج، أو حاجته أقل، ثم جاء هذا العامي فتصدق على شخصٍ أنقذه من موت بهذه الصدقة، نقول: صدقة هذا العامي أفضل من خمسين من صدقة هذا العالم، لكن أين هذا العامي في الجملة من هذا العالم العامل ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ فالوصف الذي شرف به صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدانيهم فيه أحد.