نعم هذه التواريخ تواريخ بغداد، تاريخ أصبهان، تاريخ دمشق، تاريخ بخارى، تاريخ قزوين، تواريخ تعتني بالرواة، وما قيل فيهم جرحاً وتعديلاً، وتذكر بعض عواليهم وما أشبه ذلك وأخبارهم، هذه كتب ينبغي لطالب العلم العناية بها؛ لأنها يوجد فيها ما لا يوجد في كتب الرجال، لا سيما إذا كان الرجل من غير رواة الكتب الستة، ففي الغالب يوجد في هذه التواريخ تواريخ البلدان.
"وتهذيب شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، وميزان شيخنا الحافظ أبي عبد الله اللهبي، وقد جمعتُ بينهما وزدتُ في تحرير الجرح والتعديل عليهما في كتابٍ وسميته: بـ (التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) وهو من أنفع شيء للفقيه البارع، وكذلك المحدث، وليس الكلام في جرحٍ الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة. "
لأن بعض الناس يقول: هؤلاء أئمة كبار أهل التحري والورع وقعوا في الناس: فلان ضعيف، فلان يكذب، فلان يسرق الحديث، فلان كذا، ويش معنى الغيبة؟ نقول: هذا من النصيحة، هذا ما لا يتم الواجب إلا به، بل هو واجب على الأمة أن تتصدى لمثل هذا، وقد قام به الأئمة خير قيام.
"وليس الكلام في جرح الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة، بل يثاب متعاطي ذلك إذا قصد به ذلك، وقيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك يوم القيامة؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خصمي يومئذٍ، وسمع أبو تراب النخشبي أحمد بن حنبل وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له: أتغتاب العلماء؟ فقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة، ويقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعمرو بن علي الفلاس وغيرهم".
تكلم قبلهم من الصحابة لكن شيء يسير جداً، ومن التابعين كابن سيرين على نطاق ضيق جداً؛ لعدم الحاجة إلى الكلام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:((بئس أخو العشيرة)) يعني نقد الرجل، وهذا أصل في هذا الباب، لكن هؤلاء تكلموا في الرواة بشكل عام، كلما ازدادت الحاجة زاد الكلام، والله المستعان.