نعم الرواة الذين اختلطوا في آخر أعمارهم حصل لهم النسيان الكامل أو الخرف، هناك من يضعف وهذا هو الجادة، والغالب أن الإنسان يضعف في آخر عمره، لكن هذا لا يؤثر عليه إلا إذا كثر، أما من اختلط اختلاطاً كلياً فلا بد من التوقف عن الرواية عنه بعد الاختلاط، وهناك كتب ألفت في الرواة المختلطين (نهاية الاغتباط) وغيره من الكتب تبين الرواة الذين اختلطوا، ومن روى عنهم قبل الاختلاط، ومن روى عنهم بعد الاختلاط، ومن روى عنهم قبله وبعده، على كل حال من روى بعد الاختلاط لا تقبل روايته، وقبله روايته مقبولة كما هو معروف.
"وممن اختلط بأخرة عطاء بن السائب وأبو إسحاق السبيعي, قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: وإنما سمع ابن عيينة منه بعد ذلك، وسعيد بن أبي عروبة, وكان سماع وكيع والمعافى بن عمران منه بعد اختلاطه، والمسعودي وربيعة وصالح مولى التوأمة، وحصين بن عبد الرحمن قاله النسائي، وسفيان بن عيينة قبل موته بسنتين قاله يحيى القطان، وعبد الوهاب الثقفي قاله ابن معين، وعبد الرزاق بن همام قال أحمد بن حنبل: اختلط بعدما عمي، فكان يلقن فيتلقن، فمن سمع منه بعدما عمي فلا شيء ... "
هذه مشكلة من يعتمد على الكتاب، ويهمل الحفظ، إذا عمي ضاع، إذا احترق الكتاب وفُقد كذلك، إذا سافر دون كتبه صار لا شيء، هذه حال كثير من ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة، لما اعتمدوا على هذه الكتب، ورصت هذه الكتب في الدواليب إذا راح يمين وإلا يسار قال: لا بد أراجع، فإذا عمي. . . . . . . . .، ولهذا يحرص الإنسان في حال الصحة وفي حال الشباب أن يكثر من المحفوظ، بادئاً بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يحتاج إلى الكتاب، وقد لا يحصل له، لا يحصل له في كل ظرف، لا يتهيأ له الكتاب، فإذا كان محفوظاً الحمد لله وجد الكتاب أو لم يوجد، الخطب سهل، والله المستعان.
"قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما رواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فلعل سماعه كان منه بعد اختلاطه .. "