نقول: هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له، لكن كل هذا الكلام أفرزه رأي ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، وإلا ما دام الآلة موجودة، والشخص متأهل للحكم فلا ينتظر لا كلام أبي داود ولا سكوت أبي داود؛ لأن كلام أبي داود ككلام غيره من أهل العلم، كلام الترمذي أصرح من كلام أبي داود، ينص صراحة على أن هذا الحديث صحيح، لكن هل يلزم من ذلك أن الحديث صحيح بالفعل؟ ما يلزم، الجمهور يرون أن الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين، وإن زعم بعضهم أنه تصحيحه معتبر، وإن زاد الشيخ أحمد شاكر في ذلك ورأى أن تصحيحه معتبر وتوثيق لرجاله، يعني إذا قال: هذا حديث صحيح أو حسن صحيح، فالرجال هؤلاء كلهم ثقات، هذا كلام ليس بصحيح، وكم من حديث صححه الترمذي وفيه نظر، كم من حديث حسنه الترمذي وفيه أنظار، قول أبي داود -رحمه الله-: "ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" فابن سيد الناس يرى أن كلام أبي داود مثل كلام الإمام مسلم حينما قسم الرواة إلى طبقات، فخرج لأهل الطبقة الأولى المعروفين بالضبط والحفظ والإتقان، وخرج عمن دونهم ممن ليسوا كذلك، يقول: ما في فرق بين كلام الإمام مسلم وتقسيمه الرواة إلى طبقات، ونزوله إلى أحاديث الطبقة الثانية بل والثالثة أحياناً، ما في فرق بينه وبين قول الإمام أبي داود:"ذكرت الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما
حيث يقول: جملة الصحيح لا ... توجد عند مالكٍ والنبلاء
فاحتاج أن ينزل في الإسنادِ ... إلى يزيد بن أبي زيادِ
مسلم نزل عن الدرجة الأولى، عن الطبقة الأولى في الحفظ والضبط والإتقان، لكنه التزم الصحة ووفى بها، وإذا نزل؟ نزل إلى من خفّ ضبطه وارتفعت هذه الخفة بمتابعة غيره من أهل الضبط والإتقان، فرق بينما نزل إليه الإمام مسلم وبينما سكت عنه أبي داود، فرق كبير، وواقع الكتابين يشهد للفرق، وإن قال ابن سيد الناس هذا الكلام.
يقول هذه السائل وهذه من الأسئلة: ألا يقال عن تصحيح الترمذي أو تحسينه لبعض الأحاديث توثيق فعلي لرجل من رجال الإسناد عنده وإن لم يكن عند غيره؟