{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} [(٥٧) سورة الذاريات] لي، ولا لأنفسهم، ولا لغيرهم، {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} إطلاقاً، لا يرزقوني ولا يرزقوا أنفسهم ولا يرزقون غيرهم، إنما خلقتهم لمصلحتهم، لتحقيق العبودية ثم بعد ذلك النعيم الأبدي السرمدي، وما عند الله -جل وعلا- من الرزق لا ينفد، ويمينه ملأى سحاء الليل والنهار، ولو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم، أولهم وآخرهم، فسألوا الله وأعطى كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملك الله شيء، فالله -جل وعلا- لا يريد من خلقهم لا تكثر من قلة، ولا تعزز من ذله، الله -جل وعلا- خلقهم ليعبدوه.
{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} [(٥٧) سورة الذاريات] لي ولأنفسهم وغيرهم" {وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [(٥٧) سورة الذاريات] ولا أنفسهم ولا غيرهم، من الذي يطعمهم؟ من الذي يطعم غيرهم؟ من الذي يطعمهم؟ الذي يطعمهم هو الله -جل وعلا-، ((يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم)) ووجد من انقطعت به الأسباب وكاد قارب وشارف الهلاك ثم نزل عليه رزقه، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يترك الأسباب، الأسباب مأمور بها، والسماء لا تمطر ذهب ولا فضة ((ولو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير)) كيف يرزق الطير؟ تجلس في أوكارها وأعشاشها يأتيها الرزق وإلا تغدو وتروح؟ ((تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) يعني ابذلوا الأسباب، ابذلوا ما تستطيعوا من الأسباب ثم بعد ذلك النتائج بيد الله -جل وعلا-، وقد يحرم الإنسان من الأسباب التي يستطيع بها طلب الرزق فيرزق بدون أسباب، فيرزق بدون أسباب، وهناك قصص كثيرة وحادث ووقائع في أول الزمان وآخره من هذا النوع، والسبب {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [(٥٨) سورة الذاريات] إن الله هو الرزاق، يعني تعريف الجملتين حصر فلا رازق إلا الله -جل وعلا-، والتأكيد بأن وضمير الفصل يدل على أنه لا رازق إلا الله -جل وعلا-، وفي ذلك الأسلوب الحصري في تعريف جزئي الجملة، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [(٥٨) سورة الذاريات] يعني لو قيل: إن الله رازق أو رزاق لاحتمل أن يكون معه رازق آخر، لكن لما جيء بالجملة معرفة الجزأين دل ذلك على الحصر.