في الدنيا نماذج يسيرة يمكن أن يستدل بها الإنسان على ما يدخر له في الجنة، هناك نعم لا يقوم الإنسان بشكرها، لكن عليه أن يشكر قدر استطاعته {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [(١٨) سورة الطور] عطفاً على آتاهم، آتاهم من النعيم المقيم {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}؛ لأن الأمر لا يخلوا من أربع حالات، إما أن يعطى من النعيم المحض الذي لا يخالطه شيء من المكدرات والمنغصات، وهذا هو ما سيكون للمؤمنين يوم القيامة {بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}، أو يكون النعم المخلوطة بالمكدرات، وهذا شأن نعيم الدنيا، ما في نعيم خالص لا بد له من تبعات، لا بد له من تبعات فليس بخالص، ولو كان النعيم في الدنيا خالص لنسي نعيم الآخرة، وقد يعطى الإنسان من العذاب الخالص الذي لا نعيم معه وهذا عذاب الكفار في النار، وقد يكون هناك عذاب مخلوط بشيء من الفتور والنعيم المحدود، وهذا يكون في الدنيا قد يعيش الإنسان في نعيم في الدنيا لكنه ليس بنعيم خالص، ليس بنعيم خالص، وقد يعيش في شقاء في الدنيا لكنه ليس بشقاء خالص، فالنعيم في الدنيا لا بد له من مكدر، والشقاء في الدنيا لا بد له من انقطاع، ولا بد له من فترة، ولا بد أن يمر شيء مما يسر المخلوق فليس بخالص، أما في الآخرة فخالص، نعيم الجنة لا مكدر له، وعذاب النار لا نعيم معه البتة، لذلكم الشاطبي في الموافقات لما تكلم عن السعادة والشقاوة وذكر أنه لا سعادة خالصة، ولا شقاوة خالصة، ورد على من قال بأن هذا مطرد في الدنيا والآخرة، رد على من قال بذلك؛ لأن منهم من يقول: إنه وإن كان الإنسان في النعيم في الجنة النعيم الخالص، لكن لا بد معه من شيء ينغصه، بدليل أن من كان في المنزلة الدنيا في الجنة، مع أن نعيمه نسبي بالنسبة لمن فوقه في الجنة، لكن إذا استحضرنا أن من دخل الجنة وإن كان أدناهم منزلة لا يشعر بأن من فوقه أفضل منه، ولا يشرع في قلبه شيء من المكدرات ونزعنا ما في قلوبهم من غل، وإذا كان أدناهم منزلة وليس فيهم دنيء من هو على المسك الأذفر، وعلى المنابر، وعلى نجب العقيان، فكيف يكون مع هذا النعيم كدر؟ وإن كان فوقه ناس في منازلهم،