والناس يتراءون أهل العلم كالكوكب الدري الغابر في السماء، ويحصل هذا لأناس أمنوا بالله وصدقوا المرسلين، المقصود أن نعيم الجنة لا يخالطه كدر البتة، ومثل ما قيل في هذا، قيل أيضاً في عذاب النار، منهم من قال: إن الذي يعذب في النار ما دام يرى أن في النار من هو أسفله منه فإن هذا يدخل السرور على قلبه، أي سرور، وأقل الناس عذاباً يوم القيامة؟ يعني من أقلهم بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- من عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، يغلي منهما دماغه، أبو طالب شفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- في ضحضاح من نار يغلي دماغه، هل هذا يقول إن أخاه أبا لهب أشد منه، أو أن أبا جهل أشد منه عذاباً فيستر بذلك؟ لا يمكن أن يدخل عليه سرور وهو في النار، والشاطبي -رحمه الله- في الموافقات ذكر مثل هذه الأمور فيرجع إليه.
المقصود أن الذي في النار لا يرى غيره شراً منه، والذي في الجنة لا يرى غيره خيراً منه، وإن كانت الدرجات في الجنة متفاوتة، والدركات في النار متفاوتة بخلاف منه في نعيم الدنيا وعذابها، يعني من في نعيم الدنيا ولو كان يملك ما يملك من أمور الدنيا، ويستفيد من هذه على وجهها، يعني دعونا من غني محروم حرمه الله من ماله لا يتلذذ به ولا يستمتع به هذا معذب بماله، لكن شخص يتمتع بماله وينتفع به، ثم بعد ذلك وجد شخصاً أرفع منه لاشك أن حياته تتكدر والنعيم نسبي، كما أن الشقاء في هذه الدنيا نسبي، ولذلك أمرنا أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هو دوننا -إلى من هو أسفل منا-، لماذا؟ لنشكر الله -جل وعلا- على النعم، وألا نزدري نعمة الله علينا، يعني إذا كنت مدين وعليك أقساط، وأحياناً لا تستطيع السداد، ويتصل عليك الدائن ويضيق صدرك كثيراً، انظر إلى من هو مدين بالملايين، تقول: الحمد الله إنا ديني مقدور عليه، وإذا كنت لا تجد ما تأكل في يوم من الأيام أنظر إلى جهات لا يجدون ما يأكلون البتة، ومنهم من يموت من الجوع، إذ كنت تبرد في الشتاء فانظر إلى من يبيت بالعراء، انظر إلى من هو دونك؛ لئلا تزدري نعمة الله عليك، وما من إنسان وإلا ويوجد من هو دونه.