{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نخصك بالعبادة من توحيدٍ وغيره وبطلب أو ونطلب؟ نخصك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة على العبادة وغيرها؛ لأن الاختصاص كما جاء في العبادة جاء في الاستعانة، جاء في طلب الاستعانة، والاختصاص مأخوذ من أين؟ من تقديم المعمول على عامله، والاختصاص بالعبادة، يعني نخصك بالعبادة من توحيدٍ وغيره، وهو أيضاً مخصوص بطلب المعونة على العبادة وغيرها من الأمور، في حاشية الجمل يقول:"لما ذكر الحقيقة بالحمد، ووصفه بصفاتٍ عظامٍ تميّز بها عن سائل الذوات خوطب بإياك نعبد، والمعنى: يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستقامة ليكون أدل على الاختصاص والترقي من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلوم صار عياناً، والمعقول مشاهداً، والغيبة حضوراً، كيف جاء الترقي؟ ترقي بعد أن كنت تثني على الله -سبحانه وتعالى-، فتقول: الحمد لله، وأنت تتصوره غائباً عنك، لكن لما زدت في ثنائك عليه قلت: لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، كأنك وصلت إلى الحضرة، فكأنك تراه وتخاطبه، ولهذا التفت من الغيبة إلى الخطاب فقلت: إياك، ما قلت: إياه، الحمد لله إياه، هذا مناسب، لكن فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب فقلت: إياك نعبد وإياك نستعين، هذا يسمونه التفات، ابن جني -أبو الفتح- يسمي الالتفات شجاعة العربية، كأنه عنى أنه دليل على حدة ذهن البليغ، وتمكّنه من تصريف أساليب كلامه كيف شاء، كما يتصرف الشجاع في مجال الوغى بالكر والفر، شجاعة العربية، من أمثلة الالتفات قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} [(٢٢) سورة يونس] ما قال: وجرين بكم ويقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب مناسب" لماذا؟ لأنه لما أثنى على الله -سبحانه وتعالى- فكأن اقترب وحضر بين يديه، فلهذا قال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(٥) سورة الفاتحة] وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده أن يثنوا عليه بذلك، يقول: في هذا دليل على أن أول السورة خبر من