{نَعْبُدُ} [(٥) سورة الفاتحة] قرأ الحسن وأبو المتوكل وأبو مجلز: يُعبد، بضم الياء وفتح الباء، اختلف في المراد بالعبادة على ثلاثة أقوال، أحدها: أنها بمعنى التوحيد، روي عن علي وابن عباس في آخرين، والثاني: أنها بمعنى الطاعة، كما في قوله تعالى:{أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [(٦٠) سورة يس] والثالثة: أنها بمعنى الدعاء كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [(٦٠) سورة غافر] والعبادة في اللغة التذلل، يقال: طريق معبد، وبعير معبد، أي مذلل، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، قاله ابن كثير، وقال شيخ الإسلام: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ويقول ابن القيم -رحمه الله- في نونيته:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبانِ
و {نَسْتَعِينُ} [(٥) سورة الفاتحة] بفتح النون في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها قالوا: نِستِعين، هي موجودة في قراءة بعض العوام من بعض الجهات، وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس، وقدّم الضمير المفعول، وكرر للاهتمام والحصر، إياك نعبد وإياك نستعين، قدم للاهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، قال الحافظ ابن كثير والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف، الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: إياك نعبد وإياك نستعين، فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله -عز وجل-، وهذا المعنى في غير ما آيةٍ من كتاب الله -سبحانه وتعالى-، كما قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [(١٢٣) سورة هود] وقال: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [(٢٩) سورة الملك] ولابن القيم -رحمه الله تعالى- كتاب عظيم أسماه: مدارج السالكين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
والآن مع الدرس الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.