الْبُخَارِيِّ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدَّ الطِّيبَ (فَلَا يَرُدَّهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَهُوَ نَصٌّ فِي كَوْنِهِ نَهْيًا بِخِلَافِ مَا رُوِيَ بِضَمِّ الدَّالِ ; فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا بِمَعْنَى النَّهْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ ; فَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَبَرًا يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ ; فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ عَلَى الْفَصِيحِ هَذَا، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ الْفَتْحُ لَا غَيْرُ، فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
فَلَا يَرُدَّهُ بِفَتْحِ الدَّالِ قَالَ: وَأَنْكَرَهُ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: وَهَذَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الدَّالِ قَالَ: وَوَجَدْتُهُ بِخَطِّ الْأَشْيَاخِ بِضَمِّ الدَّالِ، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ قُلْتُ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْفَتْحَ وَاجِبٌ فِي نَحْوِ رُدَّهَا، وَالضَّمَّ فِي رُدُّهُ عَلَى الْأَفْصَحِ، فَيَحْمِلُ رِوَايَةَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الْفَصِيحِ، وَتَخْطِئَتَهُمْ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ يُوجَدُ فِيهِ الْفَصِيحُ، وَالْأَفْصَحُ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ نَقْلَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ الْأَصَحُّ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى اعْتِبَارِ مَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ مِنَ الْوَجْهِ الْأَرْجَحِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فَائِدَةَ اخْتِيَارِ الْفَتْحِ فِي (فَلَا يَرُدَّهُ) لِيَكُونَ نَصًّا عَلَى النَّهْيِ بِخِلَافِ الضَّمِّ ; فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّهْيِ، وَالنَّفْيِ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَمْ يُوجَدْ فِي نَحْوِ رُدُّهُ ; لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُفِيدٌ لِمَعْنَى الْأَمْرِ، فَتَأَمَّلْ، وَاخْشَ الزَّلَلَ، وَلَا تَكْسَلْ مِنَ الْمَلَلِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ مِنْ أَنَّ الْفَتْحَ هُوَ اخْتِيَارُ مَنْ لَا يُحَقِّقُ الْعَرَبِيَّةَ (فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ) يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ الطِّيبِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَخَلَقَ اللَّهُ الطِّيبَ فِي الدُّنْيَا لِيُذَكِّرَ الْعِبَادَ بِطِيبِ الدُّنْيَا طِيبَ الْآخِرَةِ، وَيَرْغَبُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَيَزِيدُونَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَصِلُوا بِسَبَبِهَا إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ طِيبَ الدُّنْيَا خَرَجَ عَيْنُهُ مِنَ الْجَنَّةِ نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَذْرُهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُنْمُوذَجٌ مِنْ طِيبِهَا وَإِلَّا فَطِيبُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ رِيحُهُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ كَمَا فِي حَدِيثٍ، وَقَدْ وَرَدَ
اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ
(قَالَ أَبُو عِيسَى: أَيِ الْمُؤَلِّفُ (لَا نَعْرِفُ) ، وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ، وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (لِحَنَانٍ) أَيِ الْمَذْكُورِ فِي السَّنَدِ الْمَسْطُورِ (غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ) بِرَفْعِ غَيْرُ، وَنَصْبِهِ لِمَا سَبَقَ (وَقَالَ) عَطْفٌ عَلَى لَا نَعْرِفُ مِنْ مَقُولِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ إِلَخْ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ) بِكَسْرِ التَّاءِ (فِي كِتَابِ الْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ حَنَانٍ الْأَسَدِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ، وَيُسَكَّنُ (وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ شُرَيْكٍ) بِضَمِّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَفَتْحِ رَاءٍ (وَهُوَ صَاحِبُ الرَّقِيقِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِ الْقَافِ الْأُولَى (عَمُّ وَالِدِ مُسَدَّدٍ) بِضَمِّ مِيمٍ، وَفَتْحِ سِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَمُشَدِّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ (وَرَوَى) أَيْ حَنَانٌ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَرَوَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَنَانٍ (الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافُ سَمِعْتُ) أَيْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ (أَيْ) يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ (يَقُولُ ذَلِكَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ فِي تَرْجَمَةِ حَنَانٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: أَسَدُ بْنُ شُرَيْكٍ بَطْنٌ مِنَ الْأَزْدِ بْنِ يَغُوثَ، وَيُقَالُ لِلْأَسَدِ وَيُقَالُ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ الْأَسْدِيُّ بِسُكُونِ السِّينِ، وَالْأَزْدِيُّ بِالزَّايِ السَّاكِنَةِ بَدَلُ السِّينِ، وَالْكُلُّ صَحِيحٌ ; فَإِنَّهُ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ شُرَيْكٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَزْدِ بْنِ يَغُوثَ، وَيُقَالُ لِلْأَسْدِ أَزْدٌ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَنْسَابِ فِي الْأَزْدِ بْنِ يَغُوثَ وَيُقَالُ لِلْأَسْدِ أَزْدٌ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَنْسَابِ فِي الْأَزْدِ بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أَسدِ بْنِ شُرَيْكٍ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ابْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ فَهْمٍ لَهُمْ خُطَّةٌ بِالْبَصْرَةِ، وَيُقَالُ لَهَا خُطَّةُ بَنِي أَسَدٍ، وَمِنْهُمْ مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ الْأَسْدِيُّ الْمُحَدِّثُ بِالْبَصْرَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرِ الْعَسْقَلَانِيُّ: مِنْ حَنَانٍ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ، وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْأَسْدِيِّ عَمُّ وَالِدِ مُسَدَّدٍ كُوفِيٌّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ فِي الْأَصْلِ كُوفِيًّا، وَهُوَ مُقِلٌّ جِدًّا لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ الْمُرْسَلُ ; فَإِنَّ أَبَا عُثْمَانَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ
وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ) بِالْجِيمِ بَعْدَ ضَمِّ الْمِيمِ، وَبِاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ (بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ (حَدَّثَنَا أَبِي) أَيْ سَعِيدٌ (عَنْ بَيَانٍ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ، وَتَحْتِيَّةٍ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ الْبَجَلِيِّ أَسْلَمَ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute