للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا ... وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالْقَلَمِ.

تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ فِي شَرْحَيِ الْعُمْدَةِ، هَذَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سُئِلَ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَعْطَاهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ.

، وَرَوَى الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَيْهِ تِسْعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوُضِعَتْ عَلَى حَصِيرٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَقَسَّمَهَا فَمَا رَدَّ سَائِلًا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَنْشَدَتْهُ شِعْرًا تُذَكِّرُهُ بِهِ أَيَّامَ رَضَاعَتِهِ فِي هَوَازِنَ فَرَدَّ عَلَيْهَا مَا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: وَهَذَا نِهَايَةُ الرَّدِّ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ فِي الْوُجُودِ مِنْ غَايَةِ الْجُودِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أُتِيَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَأَمَرَ بِصَبِّهِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِذْ جَاءَ الْعَبَّاسُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ خُذْ فَحَثَى فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ فَقَالَ لَا فَقَالَ ارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ فَقَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ كَالْأَوَّلِ فَقَالَ لَا، ثُمَّ نَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَتْبَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَصَرَهُ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ فَمَا قَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهَا دِرْهَمٌ.

وَفِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ أَنَّهُ كَانَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنَا (جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ) أَيْ: لَا يَجْعَلُ شَيْئًا ذَخِيرَةً لِأَجْلِ غَدٍ لَكِنْ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ لِتَمَامِ تَوَكُّلِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَقَدْ يَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ لِضَعْفِ تَوَكُّلِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَكُونَ سُنَّةً لِلْمُعِيلِينَ مِنْ أُمَّتِّهِ وَلِلْمُجَرَّدِينَ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ.

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ.

وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهَوَيْهِ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ فَقِيلَ الِادِّخَارُ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَلَى مَا نَقَلَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ فَقِيلَ عَدَمُ الِادِّخَارِ كَانَ غَالِبَ أَحْوَالِهِ أَوْ فِي أَوَائِلِ أَمْرِهِ إِذْ قَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَقُولُ مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ بُرٍّ، وَلَا صَاعُ حَبٍّ وَإِنَّ عِنْدَهُ تِسْعَ نِسْوَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ لَهُمْ قُوتَ سَنَتِهِمْ، ثُمَّ مِنْ جُودِهِ وَكَرَمِهِ عَلَى الْوَافِدِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ كَانَ يَفْرَغُ زَادُهُمْ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ، ثُمَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْحَدِيثِ بَابُ أَنَّ الْكَرَمَ وَالْجُودَ وَالتَّوَكُّلَ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ دُونَ الْخَلْقِ مِنْ كَمَالِ الْخُلُقِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الصُّوفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الِادِّخَارَ زِيَادَةً عَلَى السَّنَةِ خَارِجٌ عَنْ طَرِيقِ التَّوَكُّلِ أَوِ السُّنَّةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى رَدِّ مَا قَالَ الطَّبَرِيُّ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ مُطْلَقًا، وَقَدْ أَبْعَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ حَيْثُ قَالَ التَّقْيِيدُ بِالسَّنَةِ إِنَّمَا جَاءَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوَاقِعِ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا يُدَّخَرُ كَانَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي سَنَتَيْنِ لَاقْتَضَى الْحَالُ جَوَازَ الِادِّخَارِ لِأَجْلِ ذَلِكَ قُلْتُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّنَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَجَدُّدِ الْأَرْزَاقِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَشْهُرِ فِي أَثْنَائِهَا.

(حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْمُدِينِيُّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَهُ الْفَرْوِيُّ بِفَتْحِ فَاءٍ وَسُكُونِ رَاءٍ نِسْبَةً إِلَى

فَرْوٍ، وَاسْمُ جَدِّهِ كَمَا ذَكَرَهُ عَفِيفُ الدِّينِ (حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ) أَيْ: شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِنْدِي شَيْءٌ) أَيْ: لَيْسَ فِي مِلْكِي شَيْءٌ مَوْجُودٌ (وَلَكِنِ ابْتَعْ) أَمْرٌ مِنَ الِابْتِيَاعِ أَيِ اشْتَرِ مَا تَبْغِي بِثَمَنٍ يَكُونُ دَيْنًا (عَلَيَّ) أَدَاؤُهُ (فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ) أَيْ: مِنْ بَابِ اللَّهِ (قَضَيْتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>