النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْمُشَدَّدَ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ (ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ) قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ وَحِكْمَةُ مَا يَعْتَرِي الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الِابْتِلَاءِ تَكْثِيرُ حَسَنَاتِهِمْ وَتَعْظِيمُ دَرَجَاتِهِمْ وَتَسْلِيَةُ النَّاسِ بِحَالَاتِهِمْ وَلِئَلَّا يَفْتَتِنَ النَّاسُ بِمَقَامَاتِهِمْ وَلِئَلَّا يَعْبُدُوهُمْ لِمَا ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَوَارِقِ الْمُعْجِزَاتِ وَظَوَاهِرِ الْبَيِّنَاتِ (فَقَالَ مُرُوا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ) فَعِيلٌ مِنَ الْأَسَفِ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَاصِمٍ أَحَدِ رُوَاتِهِ: الْأَسِيفُ الرَّحِيمُ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ وَالْأَسِيفُ وَالْأَسَوفُ السَّرِيعُ الْحُزْنِ الرَّقِيقُ الْقَلْبِ (إِذَا قَامَ ذَلِكَ الْمَقَامَ بَكَى) أَيْ: لِفَقْدِ خَلِيلِهِ الْإِمَامِ وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِتَدَبُّرِهِ الْقُرْآنَ، وَفِي نُسْخَةٍ يَبْكِي (فَلَا يَسْتَطِيعُ) أَيِ: الْإِمَامَةَ أَوِ الْقِرَاءَةَ (فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ) أَيْ: بِالْقِيَامِ لِهَذَا الْأَمْرِ لَكَانَ حَسَنًا فَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّرْطِ بَلْ لِلتَّمَنِّي فَلَا يَطْلُبُ جَوَابًا.
وَأَمَّا تَقْدِيرُ بَعْضِهِمْ «لَكَانَ أَحْسَنَ» فَلَيْسَ بِحَسَنٍ مِنْ حَيْثِيَّةٍ حُسْنِ الْأَدَبِ (قَالَ) أَيْ:
سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ (ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) أَيْ: حَصَلَ لَهُ الِاسْتِغْرَاقُ (فَأَفَاقَ فَقَالَ مُرُوا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ) جَمْعُ صَاحِبَةٍ (أَوْ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ) عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمْعُ صَوَاحِبَ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ كُلٌّ مِنْهُمَا جَمْعُ صَاحِبَةٍ لَكِنَّ الثَّانِيَ قَلِيلٌ فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ.
ثُمَّ لَفْظُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ بَابِ الزِّيَادَاتِ الْمُلْحَقَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْكَلِمَاتِ الْمُدْرَجَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّكُنَّ مِثْلُ صَوَاحِبِ يُوسُفَ فِي إِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي الْبَاطِنِ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِطَابَ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ عَائِشَةُ فَقَطْ كَمَا أَنَّ صَوَاحِبَ لَفْظُ جَمْعٍ، وَالْمُرَادُ: زُلَيْخَا فَقَطْ وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ تَبَعًا لِشَارِحٍ: الْمَعْنَى إِنَّكُنَّ فِي التَّظَاهُرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى مَا تُرِدْنَهُ وَإِلْحَاحِكُنَّ عَلَى مَا تَمِلْنَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَاقِضُهُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ هِيَ عَائِشَةُ وَحْدَهَا.
ثُمَّ وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ عَائِشَةَ وَزُلَيْخَا أَنَّهَا اسْتَدْعَتِ النِّسْوَةَ وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَامَ بِالضِّيَافَةِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّتِهَا لَهُ وَيَتْرُكْنَهَا عَنِ الْمَلَامِ وَأَنَّ عَائِشَةَ أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَبَ إِرَادَتِهَا صَرْفَ الْإِمَامَةِ عَنْ أَبِيهَا لِكَوْنِهِ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ تَعْنِي الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَةَ لِبُكَائِهِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا وَإِنِّي كُنْتُ أَرَى أَنْ لَا يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ مَنْ قَالَ إِنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُنَّ إِظْهَارُ خِلَافِ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا حَقَّقَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ.
أَقُولُ: وَلَا يَبْعُدُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ الْأَنْسَبُ مَبْنًى وَالْأَقْرَبُ مَعْنًى أَنَّ الْمُرَادَ بِصَوَاحِبَاتِ يُوسُفَ نِسَاءُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَكْرًا؛ لِأَنَّهُنَّ قُلْنَ ذَلِكَ وَأَظْهَرْنَ الْمُعَايَبَةَ هُنَالِكَ تَوَسُّلًا إِلَى إِرَاءَتِهَا يُوسُفَ لَهُنَّ وَكَانَ يُوصَفُ حُسْنُهُ وَجَمَالُهُ عِنْدَهُنَّ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute